صحا القلبُ لكن صبوة ٌ وحنينُ – مهيار الديلمي

صحا القلبُ لكن صبوة ٌ وحنينُ … وأقصرَ إلاّ أن يخفَّ قطينُ

وراوده داعي النُّهى فأجابه … إلى الصبر إلاّ أن يقالَ يخونُ

فما يستخفُّ الهجرُ ميزانَ حلمهِ … ولا هو إن حُمَّ الفراقُ رزينُ

إذا سايرته فضلة ٌ من جلادة ٍ … على هاجرٍ عزَّته يومَ يبينُ

وقالوا يكون البينُ والمرء رابطٌ … حشاهُ بفضلِ الحزمِ قلتُ يكونُ

وقد يضمنُ القلبُ الصرامة لو وفى … ويصدق وعدُ الظنِّ ثم يمينُ

دعوني فلى إن زُمَّت العيسُوقفة ٌ … أعلِّمُ فيها الصخرَ كيفَ يلينُ

وخلّوا دموعي أو يقالَ نعم بكا … وزفرة َ صدري أو يقالَ حزينُ

فلولا غليلُ الشوق أو دمعة ُ النوى … لما خُلقتْ لي أضلعٌ وجفونُ

وفي الركبِ ليإن أنجد الركب حاجة ٌ … أُجلُّ اسمها أن تقتضى وأصونُ

يماطلني عنها المليُّ وقد درى … على غدره أن العهودَ ديونُ

وجوهٌ على وادي الغضاما عدمتها … فكلُّ عزيزٍ بالجمال يهونُ

تشبّثتُ بالأقمار عنها علالة ً … وباناتِ سلع والفروقُ تبينُ

وهل عوضٌ في أن تتمَّ تشبُّها … بهنَّ بدورٌ أو تميدَ غصونُ

وعوَّذني عرَّافُ نجدٍ بذكرها … فأعلمني أن الغرامَ جنونُ

تعوَّدَ داءً ظاهراً أن يطبَّه … فكيف له بالداءِ وهو دفينُ

لقد نصحالقاريُّ في رامياتنا … بسلع وبعض الوالدات ضنين

رمين بعيدا والقسيُّ حواجبٌ … فأخلصنَ فينا والسهامُ عيونُ

أيا صاحبي قدِّمْ جميلا فإنما … تدانُ بما تولي غداً وتدينُ

كفيتك في طرقِ الهوى أن تعزّني … فهل أنت في طرق العلاء مهينُ

وفي الناس مولي نعمة ٍ حاسدٌ لها … عدوٌّ وفي الجلَّى أخٌ وخدينُ

أثرها على حبِّ الوفاء وحسنهِ … تصعَّبُ في أشطانها وتلينُ

جوافل من طردِ الرياح قريبة … عليها فجاجُ الأرض وهي شطونُ

مضبًّرة ٌ فتلاءُ تروى إذا بكت … من الظمءِ فتلاءُ الذراعِ أمونُ

تشعَّثُ أوبارُ المهارى وظهرها … من الخصب وحفُ الوفرتيندهينُ

لها وهي خرسٌتحت عضِّ رحالها … تشكٍّ إذا جدَّ السُّرى وأنينُ

ظهورُ المطايا للحمول وثقلها … تئطّ جنوبٌ تحته وبطونُ

سماوتها الخضراءُ أختُ سمائها … إذا رفعت واليعملات سفينُ

لها في عقابِ الموج متنٌ ململمٌ … قويٌّ ولكن لا يقالُ أمينُ

إلى البحر عذبا نركبُ البحرَ مملحا … وربَّ سهولٍ طرقهنَّ حزونُ

خبيثٌ مريرُ الشربِ يسقيك بعده … زلالٌ على حكم الشفاهِ معينُ

على الأرض بحرٌ ثامنٌ صفوُ مائه … طغى بالبحارِ السبعِ وهي أجونُ

غدا ربّها لما أحاط بملكها … بذلك يرضى كلَّها ويدينُ

فخضها على التوفيق واقدح بزندها … عمانَ وإنِّي بالنجاح ضمينُ

يميني رهنٌ بالغنى لك أن طرتْ … على ملكٍ كلتا يديه يمينُ

فشاورْ نجومَ السعد والقِ بصدرها … إلى فلقٍ فيه الصباحُ كمينُ

ومن لي بها لو أن حظا ممساكا … يجيبُ وعزما يستعانُ يبينُ

وقلبا إذا ما أبصر الرشدَ فاهتدى … يغطي عليه حبّه ويرينُ

على أنّ ثمَّ الغيثَ عمَّ فماؤه … عليَّ وإن شطَّ المزارُ هتونُ

وأرضي به والأرضُ بيني وبينه … من الخصب جنَّتٌ خفتْ وعيونُ

ففي كلِّ يومٍ نعمة ٌ أختُ نعمة ٍ … وجودٌ له مما يليه قرينُ

مواهبٌ بيضٌ ودّت المزنُ أنّها … لها وهي حمَّاء السحائبِ جونُ

تكثِّر حسادي عليه فأوجهٌ … زوينَ وألحاظٌ إليّ شفونُ

وأيدٍ مدمّاة ٌ عليَّ بعضِّها … كما عضَّ في إثر البياع غبينُ

إلى ناصر الدين امتطى كاهلَ المنى … خليقٌ بغايات النجاح قمينُ

إلى ملك الأرض الذي كلُّ معرقٍ … إلى نسبيهِ في الملوك هجينُ

كريم إذا صمَّ الزمانُ فجودهُ … سميعٌ لأصوات العفاة أذينُ

توحَّدَ في الدنيا فما يستحقُّه … مكانٌ من الدنيا الوساع مكينُ

وحلَّق يبغى موطنا لعلائه … فأصبح فوقا والكواكب دونُ

ترى البدر من تحت الثريَّا إذا وفتْ … على التاج منه غرَّة ٌ وجبينُ

لقد حملَ الدنيا صليبٌ أطاقها … وقد وُقصتْ منها طلى ً ومتونُ

وولَّى ظباهُ خيرها فأقامها … على قصبات السبق وهي رهونُ

وأظهرَ في تدبيرها معجزاتهِ … فقام نذيرٌ بالغيوب مبينُ

رأى فضلها للسابقين فبدَّهم … جماحا وجارى السابقاتِ حرونُ

وقد عجزتْ من قبلها أن يسوسها … قرونٌ على أدراجها وقرونُ

فلا آل كسرى قوّدوها مقادة ً … وعندهمُ ركَّاضة ٌ وصفونُ

ولا حميرُ الأقيالِ قاموا بحفظها … وفيهم قبابٌ دونها وحصونُ

هوالقائم المهديّ فيها وعصره … زمانٌ لإصلاح الأمور وحينُ

ولولا ظبا أقلامه وسيوفهِ … لما كان ملكٌ في الزمان يكونُ

ولا قامت الدنيا بسيرة ِ عادلٍ … يهابُ ولم ينصر لربّك دينُ

بآية محيى الأمة انتشرت لها … من التّرب سبلُ الحقِّ وهو دفينُ

غدت ناصلا من كلّ جورٍ بعدله … مطهَّرة َ الأطرافِ وهي درينُ

على مكرماتٍ للعلا ناصريّة ٍ … قدائمَ شابتْ والزمانُ جنينُ

بناها على حد الصوارم والقنا … أسودٌ لها غابُ الرماح عرينُ

إذا نفضوا الراياتِ أو زعزعوا القنا … غدت حركاتُ الناس وهي سكونُ

يضيعُ ضياءُ الشمس في ليل نقعهم … فإظهارهم تحتَ العجاج دجونُ

مضوا سلفا واستخلفوا لمجدهم … فقرَّت جنوبٌ في الثرى وعيونُ

وفيتَ بما سنُّوا وزدتَ زيادة ً … تفوتُ مكاييلٌ لهم ووزونُ

فداك ملوكٌ حين تذكرُ بينهم … فكلُّ مهيبٍ في النفوس مهينُ

علوتَ على الأنداد عزّاً ورفعة ً … وحطَّهمُ خفضٌ يدقُّ وهونُ

لهم شركة الأسماء فيه وعندك ال … معاني وهم شكٌّ وأنت يقينُ

فضلتهمُ نفسا ودارا ونعمة ً … وبين الذُّنابي والذوائبِبينُ

فإن باهلوا بالماء يجري جداولا … فماؤك جمٌّ والبحار حقينُ

وظنوا النسيم كلَّما رقَّ سحرة ً … ألذَّ فأغلاظُ هفت وظنونُ

هجيرك بالمعروفِ والعدلِ باردٌ … وظلُّهمُ بالمنكراتِ سخينُ

وضيقُالبلادِ مع سماحك واسعٌ … وأعطانهم هذي الرحابُ سجونُ

وأرضك كافورٌ يخاضُ وجوهرٌ … وأرضهمُ صخرٌ يداس وطينُ

وإن حدَّثوا عن شامهم وعراقهم … فعندك هندٌ لا ترام وصينُ

وتحوى من البحر المحيطِ عجائبا … تطيبُ بها أجسامهم وتزينُ

وما الفخرُ طبيِّ بين دار وأختها … ولكنَّه بين الرجال بيونُ

ورُبَّ حديث بالهوى جرَّ بعضهُ … إلى الشعر بعضا والحديث شجونُ

وبغدادُ تبكي والبصيرة ُتشتكي … وشعري نشيج عنهما ورنينُ

وكم بلدة ٍ باتت تسالم أختها … وبينهما حربٌ عليك زبونُ

سلمتَ لدنيا عمرُها وصلاحها … بعمرك يا مولى الملوكِ رهينُ

وطاولت الخضراءَ خلدا ونعمة ً … قصورُ علاً شيَّدتها وحصونُ

وخُلِّدَ هذا الملكُ تضعفُ دونه … جبالٌ بقاءَ الدهرِ وهو متينُ

إلى أن تعودَ الراسياتُ موائراً … تسيرُ وتضحي الأرضُ وهي دخينُ

وحيَّتك عنّى مطرباتٌ كأنما … أناشيدها مما حلونَ لحونُ

يقوم بها بين السِّماطين خاطبٌ … صدوقٌ وبعضُ المادحينَ يمينُ

لمجدك منها يومَ تبغى نكاحها … كما شئتَ أبكارٌ تزفُّ وعونُ

موائسُ من دلٍّ شوامسُ عفّة ً … فهنَّ غصونٌ أو خرائدُ عينُ

تغالي بفرط الجود لي في مهورها … فأُرخص منها العلقَ وهو ثمينُ

ويحملها عنّى جوادٌ بنفسه … لخدمتكم والقلبُ منه ضنينُ

هو العبدُ قنّاً وابنُ عبدك طاعة ً … وعبدُ المعاصي والعصيِّ لعينُ

له كلَّ عامٍ منكَ عادة ُ نعمة ٍ … ولي توسع الآمالُ حين تحينُ

ينهِّضه سعيٌ بفضلك آنسٌ … له ثقة ٌ نحو الغنى وسكونُ

فلاحظه بالإنعامِ لا توكلنَّه … سفيرا يريك النصحَ هو خئونُ

له قلقٌ مهما وهبتَ كأنّه … سليمٌ بما تعطي العفاة َ طعينُ

تحيَّفه في الحكم حتى نصرته … وجودك إن جار القضاء أمينُ

وعش لي فلى شأنٌ من العيش صالحٌ … وللناس في ناسٍ سواك شئونُ

وما ضرَّني منهم نحولُ مطالبي … لديهم وحظّي من نداك سمينُ

وما ساءني أن يمنعَ الغيثُ جودهُ … وكفُّك لي إمّا احتلبتُ لبونُ

لو أنَّ الورى أهلى لكنتُ وأنتَ لي … أقومُ بهم مستظهرا وأمونُ

وأرجوك لي حيّاً وأرجو لوارثي … نداك وجسمي في التراب دفينُ

إذا صانك المقدارُ من كلّ حادثٍ … فوجهي عن ذلِّ السؤال مصونُ