صبوتٌ إلى المدامة ِ وَ الغواني – محمود سامي البارودي

صبوتٌ إلى المدامة ِ وَ الغواني … وَحَكَّمْتُ الْغَوَايَة َ فِي عِنَانِي

و قلتُ لعفتي بعدَ امتناعِ … إِلَيْكِ؛ فَقَدْ عَنَانِي مَا عَنَانِي

فَمَا لِي عَنْ هَوَى الْحَسْنَاءِ صَبْرٌ … يُوَقِّرُ عِنْدَ سَوْرَتِهِ جَنَانِي

وَ كيفَ يضيقُ منْ دارتْ عليهِ … كئوسُ هوى من الحدقِ الحسان؟

أعاذلُ ، خلتني وَ شئونَ قلبي … و خذْ ما شئتهُ في أيَّ شانِ

فَقَدْ شَبَّ الْهَوَى مَنْ رَامَ نُصْحِي … وَأَغْرَى فِي الْمَحَبَّة ِ مَنْ نَهَانِي

رضيتُ منَ الهوى بنحولِ جسمي … وَمِنْ صِلَة ِ الْبَخِيلَة ِ بِالأَمَانِي

وَ لستُ بطالبٍ في الناسِ خلاَّ … يناصحني ؛ فعقلي قدْ كفاني

بَلَوْتُ النَّاسَ، وَاسْتَخْبَرْتُ عَنْهُم … صروفَ الدهرِ آناً بعدَ آنِ

فَمَا أَبْصَرْتُ غَيْرَ أَخِي كِذَابٍ … خلوبِ الودَّ ، مصنوعِ الحنان

يُصَرِّحُ بِالْعَدَاوَة ِ وَهْوَ نَاءٍ … وَ يمذقُ في المحية ِ وَ هوَ داني

لَهُ فِي كُلِّ جَارِحَة ٍ لِسَانٌ … وَمَا شُرْبِي الْمُدَامَ هِوى ً، وَلَكِنْ

فلا تأمنْ على نجواكَ صدراً … فَرُبَّ خَدِيعَة ٍ تَحْتَ الأَمَانِ

وَ لاَ يغرركَ قولٌ دونَ فعلٍ … فإنَّ الحسنَ قبحٌ في الجبانِ

وَمَا أَنَا ـ وَالطِّبَاعُ لَهَا انْخِدَاعٌ ـ … بِذِي تَرَفٍ يُرَوَّعُ بِالشِّنَانِ

رغبتُ بشيمتي ، وَ عرفتُ نفسي … وَ لمْ أدخلْ لعمركَ في قرانِ

… عَقَدْتُ بِحَدِّ سَوْرَتِهَا لِسَانِي

مخافة َ أنْ تهيجَ بناتِ صدري … فيظهرَ بعضُ سرى للعيانِ

وَ فيمَ وَ قدْ بلوتُ الدهرَ أبغي … صَدِيقاً، أَوْ أَحِنُّ إِلَى مَكَانِ؟

وَ لستُ َى سوى صبحٍ وَ جنحٍ … إلينا بالردى يتسابقانِ

فَيَا مَنْ ظَنَّ بِالأَيَّامِ خَيْراً … رويدكَ ؛ فهي أقربُ للحرانِ

أترغبُ في السلامة ِ وَ هيَ داءٌ ؟ … وَ تجمعُ للبقاءِ وأنتَ فاني ؟

دَعِ الدُّنْيَا، وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْهَا … إذا اعتكرتْ بصافية ِ الدنانِ

فإنَّ الراحَ راحة ُ كلَّ نفسٍ … إِذَا دَارَتْ عَلَى نَغَمِ الْقِيَانِ

مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي دَرَجَتْ عَلَيْهَا … أفانينٌ منَ العصرِ الفواني

تخالُ وَ مسضها في الكأسِ ناراً … فَتَلْمِسُهَا بِأَطْرَافِ الْبَنَانِ

فخذها غيرَ مدخرٍ نفيساً … فَلَيْسَ الْعُمْرُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ

وَخَلِّ النَّاسَ عَنْكَ؛ فَلَيْسَ فِيهِمْ … سَلِيمُ الْقَلْبِ عِندَ الإِمْتِحَانِ

تماثيلٌ تدورُ بلا عقولٍ … وَ ألفاظٌ تمرُّ بلا معاني

تشابهتِ الأسافلُ بالأعالي … فما يدرى الهجينُ منَ الهجانِ

تَرَى كُلَّ ابْنِ أُنْثَى لاَ يُبَالِي … بما جرتْ عليهِ منَ الهوانِ

يُدِلُّ بِنَفْسِهِ إِنْ غِبْتُ عَنْهُ … وَ يشرقُ بالزلالِ إذا رآني

فمنْ لي وَ الأماني كاذباتٌ … بِيَوْمٍ فِي الْكَرِيهَة ِ أَرْوَنَانِ

أُلاَعِبُ فِيهِ أَطْرَافَ الْعَوالِي … وَأُطْلِقُ بَيْنَ هَبْوَتِهِ حِصَانِي

تراني فيهِ أولَ كلَّ داعٍ … وَيَرْتَفِعُ الْغُبَارُ، فَلاَ تَرَانِي

إِلَى أَنْ تَنْجَلِي الْغَمَرَاتُ عَنْهُ … وَيَعْرِفَنِي بِفَتْكِي مَنْ بَلاَنِي

أنا ابنُ الليل وَ الخيلِ المذاكى … وَ بيضِ الهندِ ، وَ السمرِ اللدانِ

إذا عينٌ أجدَّ بها طماحٌ … جعلتُ مكانَ حبتها سناني

كلمات: عبدالله الفيصل

ألحان: طلال مداح