شُقّ جَيبُ اللّيلِ عن نَحرِ الصّباحْ – صفي الدين الحلي

شُقّ جَيبُ اللّيلِ عن نَحرِ الصّباحْ … أيها الساقونْ

وبدا للطلّ في جيدِ الأقاحْ … لؤلؤٌ مكنونْ

ودَعانا للَذيذِ الإصطِباحْ … طائرٌ ميمونْ

فاخضبِ المبزلَ من نحرِ الدنان … بدَمِ الزَّرْجُونْ

تَتَلَقّى دَمَها حُورُ الجِنانْ … في صحافٍ جونْ

فاسقنيها قهوة ً تكسو الكؤوسْ … بسنا الأنوارْ

وتميتُ العقلَ، إذ تحيي النفوسْ … راحة ُ الأسرارْ

غَرَسَتْ كَرمَتَها بينَ القِيانْ … يدُ أفلاطونْ

وبماءِ الصرحِ قد كان يطانْ … دَنُّها المَخزُونْ

اخبرتنا عن بني العصرِ القديمْ … خبراً مأثورْ

وروَتْ يومَ مُناجاة ِ الكَليمْ … كيفَ دُكّ الطُّورْ

ولماذا أتخذتْ أهلُ الرقيمْ … كَهفَها المَذكورْ

وندا يونسُ عند الإمتحانْ … بالتقامِ النونْ

مُذ جَلا شمسَ الضّحى بدرُ التّمامْ … في اللّيالي السّودْ

وغدا يصبغُ أذيالَ الظلامْ … بِدَم العُنقُودْ

قلتُ يا بُشراكُمُ هذا غُلامْ … وفتاة ٌ رودْ

مزجا الكأسَ رواحا يسقيانْ … في حمى جيرونْ

فبذلنا في القناني والقيانْ … ما حوَى قارُونْ

نالَ فِعلُ الخَمرِ من ذاتِ الخِمارْ … عند شربِ الراحْ

فغَدَتْ تَستُرُ من فرطِ الخُمارْ … وجهها الوضاحْ

خلتُها، إذْ لم تدعْ بالإختمارْ … غيرَ صَلْتٍ لاحْ

قمراً تمّ لسبعٍ وثمانْ، … في اللّيالي الجُونْ

قدَرَتَهُ الشّمسُ في حالِ القِرانْ … فهوَ كالعُرجون

أفعَمَ الزّامرُ بالنّفخِ المُدارْ … نايَهُ المَخصُورْ

فغدا، وهوَ لأمواتِ الخُمارْ … مثلَ نَفخِ الصُّورْ

أو كما عاشَ الورى بعدَ البوارْ … بندَى المنصورْ

مَلِكٌ هَذّبَ أخلاقَ الزّمانْ … عدلُه المسنونْ

وأعادَ النّاسَ في ظِلّ الأمانْ … عضبهُ المسنونْ

ملكٌ أنجدَ طلابَ الندَى … غاية َ الإنجادْ

متلفٌ، إن جالَ، آجالَ العدى … واللهي إنْ جادْ

مَهّدَ الأرضِينَ بالعَدلِ، فكانْ … أمنُها مضمونْ

ذيبُها والشاة ُ ترعى في مكانْ، … غدرُهُ مأمونْ

باذِلُ الأموالِ من قَبلِ السّؤالْ … بأكفّ الجودْ

ما رجاهُ آملٌ إلاّ ونالُ … غاية َ المقصودْ

فإذا ما أَمَّهُ راجي النّوالْ … سادَة ٍ أنجادْ

يهبُ الولدانَ والحورَ الحسانْ … في بيوتِ النّارْ

وسواهُ إنْ دعاهُ ذو لِسانْ … يمنعُ الماعونْ

يا مليكاً لبني الدرِ ملكْ، … فشَرى الأحرارْ

ملكٌ أنتَ عظيمٌ أمْ ملكْ … ساطِعُ الأنوارْ

بالذي تَختارُهُ دارَ الفَلَكْ، … وجرى المقدارْ

مذْ رأى بأسكَ سلطانُ الأوانْ، … وَهوَ كالمَحزُونْ

حاولَ النّصرَ كمُوسى ، فاستعانْ … بكَ يا هارونْ