سَمعتِني أَقولُ شِعراً شَقِيّاً – الياس أبو شبكة
سَمعتِني أَقولُ شِعراً شَقِيّاً … يَستَفِزُّ الآلامَ في سامِعيهِ
فَتَلاشَت وَتَمتَمَت في سُكونِ ال … لَيلِ اللَهِ ما الَّذي يُشقيهِ
ثُمَّ أَخفَت في ضفة العَينِ دَمعاً … شاءَ سِرَّ الوِقار أَن تُخفيه
قُلتُ في مُقلَتَيكِ خَمر العَذارى … فَهيَ أَكسيرُكِ الَّذي تَحجُبينَه
ما خمور الكُؤوسِ مَهما تَلَظَّت … كَخُمورِ القَلبِ الَّذي تَعصُرينَه
تَسكُبين الشِعر الطَروبِ مِن العَي … نِ وَفي النَفسِ غَيرُ ما تَسكُبينَه
إِنَّ فيها آياتِ حُزنٍ أَليمٍ … وَرُموزاً مِن اللَيالي حَزينَه
وَتَمادى السَمّارُ في خَمرَةِ الكَأ … سِ وَكلٌّ مِنهُم سَها كَأَخيهِ
وَعَزيفُ الأَوتارِ يَمزجُ بِالخَم … رِ عَصيراً أَرقَّ مِن شارِبيهِ
قُلتُ في مُهجَتي فَراغ رَهيب … فَاِعصُري فيهِ فَلذَة شارِبيهِ
فَأَمالَت عَنّي عُيوناً سَكارى … وَأَمالَت إِلَيَّ قَلباً شَقِيّا
وَأَذابَت مِن مُقلَتَيها رَحيقاً … جَرَعَتهُ الشُجونُ في مُقلَتَيّا
ثُمَّ قالَت خبرتَ حُبّ البَغايا … فَنظمتَ العَذابَ شِعراً بَغِيّا
فَتَبَيَّنتُ كلّ ما أَضمَرتَه … حينَ مالَت عَنّي وَمالَت إِلَيّا
وَتَراءى في رَفرَف اللَيلِ مولو … دٌ عَلَيهِ غَلالَة من أَبيهِ
فَأَطَلَّت مِن كوّة الكوخِ وَاللَ … لُ يَزفُّ الضحى إِلى ساهِريهِ
قُلتُ في ما تُفَكَّرين فَقالَت … في سُكونِ الدُجى وَفي ما يَليهِ
وَاِشرَأَبَّت مِن الكَوى الأَعناقُ … وَأَذابَت بَريقَها الأَحداقُ
وَاِستَفاقَت مِن نَومِهِنَّ العَذارى … حائِراتٍ وَالعاشِقونَ اِستَفاقوا
الخليّون أَومَأوا بِيَدَيهِم … وَبِطرف اللَواحِظ العشّاقُ
وَاِستَفاقَ الجَميعُ مِن نَشوَةِ الخَم … رَةِ حَتّى الآمالِ وَالأَشواقِ
قُلتُ في ما تفكِّرين فَقالَت … في يَراعٍ سحرُ الهَوى مِن ذَويه
في يَراعٍ عَلَّمتَه الحُبَّ حَتّى … صِرتُ أَهواهُ صِرتُ مِن عاشِقيهِ
فَذَكَرتُ الماضي وَقُلتُ لِقَلبي … إِنَّها يا شَقِيُّ تَهواك فيهِ
أَيُّها الفَجرُ يا حَبيب الشَقِيّي … نِ وَيا مشعل الهَوى وَالشَبابِ
أَيُّها الشاطىءُ المسرّ إِلى المو … جِ حَديثَ العُشّاقِ وَالأَحبابِ
أَيُّها الكوخ وَالعُيون السكارى … بِخُمورٍ لَم تَمتَزِج بِعَذابِ
لا تجسّي قَلبي فَلَم يَبقَ فيهِ … مِن بِناء الماضي سِوى أَخشابِ
وَاِنصَرَفنا وَقَبل أَن أَتَوارى … عَن جَمال الشاطي وَعن ساكِنيهِ
قُلتُ لِلمَرأةِ الَّتي آلَمَتني … حينَ قالَت اللَهُ ما يُشقيهِ
لِيَ قَلب أَفرَغته فَاِترُكيهِ … في الهَوى فارِغاً وَلا تَملَأيه