سَلِمْتَ لَوَ أَنَّ السَّهْمَ سَهْمُ مُقَاتِلِ – خليل مطران
سَلِمْتَ لَوَ أَنَّ السَّهْمَ سَهْمُ مُقَاتِلِ … وَلَكِنَّ مَا أَصْمَاكَ سَهْمُ مُخَاتِلِ
تَغَافَلَ مِنْكَ الرَّأْيُ ظَرْفَةَ مُقْلَةٍ … فَخُوِلِسْتَهَا وَالدَّهْرُ لَيْس بِغَافِلِ
وَقَدْ عَلِمَ المَوْتُ الَّذِي بِتَّ حَرْبَهُ … مِرَاسَكَ فِي دَفْعِ الرَّزَايَا الجَلاَئِل
وَلَكِنَّهَا الأَعمَارُ إِنْ هِيَ عُوجِلَتْ … فَلاَ حوْلَ فِي رَدِّ القَضَاءِ المُعَاجِلِ
قَضَاءٌ بِإِفْنَاءِ الْحَيَاةِ مُوَكَّلٌ … إِلَى أَنْ يَكُونَ المَوْتُ آخِرُ زَائِلِ
فَلَيْسَ بِمُنْجٍ مِنْهُ قَلْبُ مُنَاضِلٍ … إِلَى آخِرِ الأَنْفَاسِ أَو عَزْمُ بَاسِلِ
وَلاَ حِرْصُ أَحْنَى الوَالِدَاتِ عَلَى ابْنِهَا … وَلاَ جُهْدُ أَوْفَى بَرَّةٍ فِي الْعقَائِلِ
وَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِالدَّاءِ فَالطِّبُّ لَمْ يَزَلْ … سِلاَحَ المَنَايَا فِي يَدَيْ كُلِّ جَاهِلِ
لَهُ الوَيْلُ مِنْ لَيْلٍ طَوِيلٍ وَسَاعَةٍ … حَسِبْنَا المَدى فِي سَيْرِهَا المُتثاقِل
نَرَى شُهْبَهُ وَالدَّمْعُ يَغشى عُيُونَنَا … تَلُوحُ وَتَخْفَى كَالدمُوعِ السَّوَائِلِ
وَنَسْمعُ مِنْهُ فِي السُّكُونِ تَنَهُّداً … وَذَاكَ صَدَى أَنْفَاسِنَا فِي المَخَايِلِ
وَقَفْنَا بِهِ نقضِي وَدَاع حَبِيبِنَا … حَيارَى كَاشْبَاحٍ بَوَاكٍ ثَوَاكِلِ
نَنَادِي أَبرَّ الأَصْدِقَاءِ وَلَمْ يكنْ … يُخَيِّبُ إِذْ يُدْعَى رَجَاءً لآمِلِ
نُنَادِي أَبَا جِبْرِيلَ بِاسْمِ وَحِيدِهِ … وَقَدْ كَانَ لاَ يُعْتَاقُ عَنْهُ بِشَاغِل
فَتَى المَجْدِ إِنَّ القَوْمَ جَالوا وَسَاجَلُوا … وَأَرخَى عِنَانَ الرَّأْيِ كلُّ مُطَاوِلِ
فَأَيْنَ الَّذِي كَانَ المُقَدَّمَ فِيهِمُ … وَكَانَ وَدِيعَ النَّفْسِ عَفَّ الشَّمَائِل
وَأَيْنَ الَّذِي صَمْصَامُهُ دُونَ عَزْمِهِ … مَضَاءٍ إِذَا مَا اسْتَلَّهَ فِي المَعَاضِلِ
وَأَيْنَ الَّذِي كَانَتْ بوَادِرَ فِكْرِهِ … تَخَطُّفَ بَرْقٍ فِي قُطُوبِ المَشَاكِل
وَأَيْنَ الَّذِي فِي كُلِّ مِصْرٍ يحُلُّهُ … لَهُ المَنْزِلُ المَرْفُوعُ بَيْنَ المَنَازِلِ
وَأَيْنَ الَّذِي مِيعَادُهُ غَيْرُ مُخْلَفٍ … وَتَسْبِقُ مِنْهُ القَوْلَ غُرُّ الفَعَائِل
أَلاَ فِي سَبِيل اللهِ أَوْفَى مُفَارقٍ … وَفِي ذِمَّةِ العَلْيَاءِ أَكْرَمُ رَاحِلِ
وَذَاكَ الشَّبَابُ الغَضُّ وَالْهِمَّةُ الَّتِي … تَدُوسُ إِلى غَايَاتِهَا كُلَّ حَائِل
وَتِلْكَ الْعُيونُ النَّاطِقَاتُ لِحَاظُهَا … بِأَجْلَى بَيَاناً مِنْ مَقَالَةِ قَائِلِ
وَذَاكَ الفُؤَادُ الثَّبْتُ فِي كُلِّ أَزْمَةٍ … إِذَا مَرَّتِ الأَحْدَاثُ مَرَّ الزْلاَزِلِ
بِشَارَةُ جَلَّ الخَطْبُ فِيكَ وَإِنَّهُ … لَخَطْبٌ عَمِيمٌ لِلْعُلَى وَالْفَضَائِلِ
فَإِنْ تَبْكِ مِصْرٌ فَهْيَ تَبْكِي مُصَابَهَا … بِأَرْوَعَ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ فَاضِلِ
وَإِنْ تَبْكِ سُورِيَّا فَقَدْ كُنْتَ رُكْنَهَا … وَكُنتَ أَبَرَّ ابْنٍ لأَجْزَعِ ثَاكِلِ
وَإِنْ تَبْكِ أَربابُ الصَّحَائِفِ تَرْحَةً … فَقَدْ يَعْرِفُ التَّالُونَ فَضْلَ الأَوَائِل