سَلامٌ عَلى الإِغْرِيقِ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ – خليل مطران
سَلامٌ عَلى الإِغْرِيقِ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ … وَحِفاظٍ مَا أَبْقُوا مِن الْمَجْدِ وَالذكْرِ
إِذا نكبَاتُ الحَرْبِ أَفْنَتْ صُفوفَهُمْ … فَمَا نُكِّبُوا بِالمَحْمِدَاتِ وَلا الْفخْرِ
جَلاَ بَأْسُهُمْ فِي الذَّوْدِ أَرْوَعَ مَا رَأَى … مِنَ الْبَأْسِ جَبَّارٌ رَمَى القِلَّ بِالْكُثْرِ
وَهَيْهَاتَ أَنْ عَانى مَلِيكٌ وَأَمَة … عَناءِهِمْ مِنْ ضَنْكِ عَيْشٍ وَمِنْ ضُرِّ
شبَابٌ لَقوا أَهْوَالَ كُلِّ كرِيهَةٍ … وَلمْ يَتَّقُوهَا بِالْخِيَانَةِ وَالغَدْرِ
وَشَيْبٌ وَأَطْفَالٌ أُجِيعُوا وَأُظْمِئُوا … وَذَاقُوا بِلاَ شَكْوَى أَذَى الْبَرْدِ وَالْحَرِّ
وَنُسْوَةٌ خَيْرٍ بَدَّلتْ مِنْ نَعِيمِهَا … جَحِيماً فكَانتْ مِنْ مَلائِكةِ البِرِّ
أُولئِكَ قوْمٌ لا تُنَالُ نُفُوسهمْ … وَقدْ بُنِيَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ عَلى الصَّبْرِ
وَقَدْ قَشَعَتْ أَعْدَاؤُهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ … ورَدَّتْ إِلى الأَحْرَارِ فِي الْوَطَنِ الْحُرِّ
أَتَغْدَو مَقَرّاً لِلضَّبَابِ سَمَاؤُهُمْ … وَقَدْماً هِيَ الْمِرْآةُ لِلشَّمْسِ وَالبَدْرِ
وَمَا خُلِقَتْ لِمَا يَخْلُبُ النُّهَى … مِنَ النَّحْتِ وَالتَّصْويرِ وَالنَّظْمِ وَالنَّثْرِ
وَمِن حِكْمَةٍ مَا زَالَتِ المَصْدَرُ الَّذِي … صَفَا حَوْضُهُ المَوْرُودُ لِلْقَلْبِ وَالْفِكْرِ
وَمِنْ عِزَّةٍ قَعْساءَ أَبْلَوا لِصَوْنِهَا … بِلاءَ أُبَاةِ الضَّيْمِ فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ
يَحُنُّ إِلَيْها قَلْبُ كلِّ مُثقفٍ … وَيَأْسَى لِمَا تَلقى مِن الْبؤْسِ والْفَقْرِ
لَقَدْ أَثْبَتتْ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ أَنَّهَا … مُوَلِّدَةُ الأَبْطَالِ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ
وَأُمٌ لأَحْلاسِ الْحُرُوبِ وَأُمَّةٌ … خَلِيقٌ بِهَا أَنْ تُتْبِعَ النَّصْرَ بِالنَّصْرِ
وَأَنْ تَعْدِلَ الأيَّامَ حتَّى تُعِيدَهَا … إِلى مُلْكِهَا الْمَبْسُوطِ في الْبَحْرِ وَالبَرِّ
هَنِيئاً لهَا مَا أَدْرَكَتْ بِجِهَادِهَا … وَمَاذَا بَلَتْ فِي جَهْدِهَا مِنْ هَوَى مِصرِ
فَمَا الْجِيرَةُ الأَخْيَارُ إِنْ جَدَّ جِدُّهُمْ … بِنَاسِينَ مَا بَيْنَ البِلادَيْنِ مِنْ أُصْرِ
إِليْكُمْ بَنِي الإِغْرِيقِ مِنِّي تَحِيَّةٌ … تَغنَّى بِهَا قَلْبِي وَرَجَّعَهَا شِعْرِي