سَرَى الْبَرْقُ مِصْرِيّاً فَأَرَّقَنِي وَحْدِي – محمود سامي البارودي

سَرَى الْبَرْقُ مِصْرِيّاً فَأَرَّقَنِي وَحْدِي … وأَذْكَرَني ما لَسْتُ أَنْسَاهُ من عَهْدِ

فيا برقُ حدِّثنى ، وأنتَ مصدَّقٌ … عَنِ الآلِ وَالأَصْحَابِ مَا فَعَلُوا بَعْدِي

وعن روضة ِ المقياس تجرى خلالها … جَدَاولُ يُسْدِيها الْغَمَامُ بِمَا يُسْدِي

إِذا صافَحَتْها الرِّيحُ رَهْواً تَجعَّدَت … حبائكها مثلَ المقدَّرة السَّردِ

وَإِنْ ضَاحَكَتْهَا الشَّمْسُ رَفَّتْ، كَأَنَّها … مناضلُ سلَّت للضِّرابِ من الغمدِ

نعمتُ بها دهراً، وما كلُّ نعمة ٍ … حبتكَ بها الأيامُ إلاَّ إلى الردِ

فَوَا أَسَفَا إِذْ لَيْسَ يُجْدِي تَأَسُّفٌ … عَلَى مَا طَوَاهُ الدَّهْرُ مِنْ عَيْشِنَا الرَّغْدِ

إذ الدَّهرُ سمحٌ ، والَّليالى سميعة ٌ … و” لمياءُ ” لم تخلف بليَّانها وعدى

فَتَاة ٌ تُرِيكَ الشَّمْسَ تَحْتَ خِمارِهَا … إِذَا سَفَرَتْ، والْغُصْنَ في مَعْقِدِ الْبَنْدِ

مِنَ الْفَاتِنَاتِ الْغِيدِ، لَوْ مَرَّ ظِلُّهَا … على قانتٍ دبَّتْ بهِ سورة ُ الوجدِ

فَتَاللَّهِ أَنْسَى عَهْدَهَا ما تَرَنَّمَتْ … بناتُ الضُّحى بين الأراكة ِ والرند

حَلَفْتُ بِمَا وَارَى الْخِمارُ مِنَ الْحَيَا … وما ضمَّتِ الأَردانُ من حسبٍ عدِّ

وبِاللُّؤْلُؤِ الْمَنْضُودِ بَيْنَ يَواقِتٍ … هِيَ الشَّهْدُ ظَنًّا، بَلْ أَلَذُّ مِنَ الشَّهْدِ

يميناً لو استسقيتَ أرضاً بهِ الحيا … لخاضَ بها الرُّعيانُ فى كلأٍ جعدِ

لأَنْتِ وَأَيُّ النَّاسِ أَنْتِ؟ حَبيبَة ٌ … إلى َّ ولو عذبتِ قلبى بالصَّدِّ

إِلَيْكِ سَلَبْتُ الْعَيْنَ طِيبَ مَنَامِهَا … وفيكِ رَعَيْتُ النَّجْمَ فِي أُفْقِهِ وَحْدِي

وذلَّلتُ هذى النفسَ بعدِ إبائها … وَلَوْلاَكِ لَمْ تَسْمَحْ بِحَلٍّ ولا عَقْدِ

فَحَتَّامَ تَجْزِينِي بِوُدِّيَ جَفْوَة ٍ؟ … أَمَا تَرْهَبِينَ اللَّه فِي حُرْمَة ِ الْمَجْدِ؟

سلى عنى الَّليلَ الطَّويلَ ، فإنَّهُ … خَبِيرٌ بما أُخْفِيهِ شَوْقاً، وَمَا أُبْدِي

هل اكتحلت عيناى إلاَّ بمدمعٍ … إِذَا ذَكَرَتْكِ النَّفْسُ سَالَ عَلَى خَدِّي؟

أُصَبِّرُ عَنْكِ النَّفْسَ وَهْيَ أَبِيَّة ٌ … وهيهاتَ صبرُ الظامئاتِ عن الوردِ

كأَنِّي أُلاَقِي مِنْ هَواكِ ابْنَ خِيسَة ٍ … أَخَا فَتَكَاتٍ، لا يُنَهْنَهُ بِالرَّدِّ

تنكَّبَ ممساهُ ، وأخطأ صيدهُ … فَأَقْعَى عَلَى غَيْظٍ مِنَ الْجُوعِ والْكَدِّ

لَهُ نَعَرَاتٌ بِالْفَلاَة ِ كَأَنَّهَا … على عدواءِ الدارِ جلجلة ُ الرَّعدِ

يمزِّقُ أستار الظَّلامِ بأعينٍ … تَطِيرُ شَراراً كَالسُّقاطِ مِنَ الزَّنْدِ

كَأَنَّهُمَا مَاوِيَّتَانِ أُدِيرَتَا … إِلَى الشَّمْسِ، فَانْبَثَّا شُعَاعاً مِنَ الْوَقْدِ

فهذا اَّلذى ألقاهُ منكِ على النوى … فَرَاخِي وَثَاقِي يَابْنَة َ الْقَوْمِ، أَوْ شُدِّي

ألحان: طلال مداح