سَجَدُوا لِكِسْرَى إِذْ بَدَا إِجْلاَلاَ – خليل مطران

سَجَدُوا لِكِسْرَى إِذْ بَدَا إِجْلاَلاَ … كَسُجُودِهِمْ لِلشَّمْسِ إِذْ تَتَلاَلاَ

يَا أُمَّةَ الْفُرْسِ الْعَرِيقَةَ فِي الْعُلَى … مَاذَا أَحَالَ بِكِ الأسُوُدَ سِخَالاَ

كنْتُمْ كِبَاراً فِي الْحُرُوبِ أَعِزَّةً … وَالْيوْمَ بِتُّمْ صَاغِرِينَ ضِئَالاَ

عُبَّاد كِسْرَى مانِحِيهِ نُفُوسَكُمْ … وَرِقَابَكُمْ وَالعِرْضَ وَالأَمْوَالاَ

تَسْتَقْبِلُونَ نِعَالَهُ بِوُجَوهِكُمْ … وَتُعَفِّرُونَ أَذِلَّةً أَوْكَالاَ

أَلتِّبْرُ كِسْرَى وَحْدَهَ فِي فَارِسٍ … وَيَعُدُّ أُمَّةَ فَارِسٍ أَرْذَالاَ

شَرُّ الْعِيَالِ عَلَيْهِمُ وَأَعَقُّهُمْ … لَهُمُ وَيَزَعُمُهمْ عَلَيْهِ عِيَالاَ

إِنْ يُؤْتِهِمْ فَضلاً يَمُنَّ وِإِنْ يَرُمْ … ثَأَراً يُبِدْهُمْ بِالْعَدُوِّ قِتَالاَ

وَإِذَا قَضَى يَوْماً قَضَاءً عَادِلا … ضَرَبَ الأَنَامُ بِعَدْلِهِ الأَمْثَالاَ

يَا يَوْمَ قَتْل بُزَرْجُمَهْرَ وَقَدْ أَتَوْا … فِيهِ يُلَبُّونَ النِّدَاءَ عِجَالاَ

مُتَأَلِّبِينَ لِيَشْهَدُوا مَوْتَ الَّذِي … أَحْيَا البِلاَدَ عَدَالَةُ وَنَوَالاَ

يُبْدُونَ بِشْراً وَالنَّفوسُ كَظِيمَةٌ … يُجْفِلْنَ بَيْنَ ضُلُوعِهِمْ إِجْفَالاَ

تَجْلُو أَسِرَّتَهُمْ بُرُوقُ مَسَرَّةٍ … وَقُلُوبُهُمْ تَدْمَى بِهِنَّ نِصَالاَ

وَإِذَا سَمِعْتَ صِيَاحَهُمْ وَدَوِيَّهُمْ … لَمْ تَدْرِهِ فَرَحاً وَلاَ إِعْوَالاَ

وَيَلُوحُ كِسْرَى مُشْرِفاً مِنْ قَصْرِهِ … شَمْساً تُضِيءُ مَهَابَةً وَجَلاَلا

شَبَحاً لأُرْمُوزَ العَظِيمِ مُمَثِّلاً … مَلِكاً يَضُمُّ رِدَاؤُهُ رِئْبَالاَ

يزْهُو بِهِ العَرْشُ الرَّفِيعُ كَأَنَّهُ … بِسَنَى التَّكَبُّرُ فِي ذُرَاهُ مِثَالاَ

وَكَأَنَّ شُرْفَتَهُ مَقَامُ عِبَادَةٍ … نُصِبَ التَّكَبُّرُ فِي ذُرَاهُ مِثَالاَ

وَكَأَنَّ لُؤْلُؤَةً بِقَائِمِ سَيْفِهِ … عَيْنٌ تَعُدُّ عَلَيْهِمُ الآجَالاَ

مَا كَانَ كِسْرَى إِذْ طَغَى فِي قَوْمِهِ … إِلاَّ لِمَا خَلُقُوا بِهِ فَعَّالاَ

هُمْ حَكَّمُوهُ فَاسْتَبَدَّ تَحَكُّماً … وَهُمُ أَرَادُوا أَنْ يَصُولَ فَصَالاَ

وَالجَهْلُ دَاءٌ قَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ … فِي الْعالَمِينَ وَلاَ يَزَالُ عُضَالاَ

لوْلاَ الجَهَالَةُ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ … إِلاَّ خَلاَئِقَ إِخْوَةٍ أَمْثَالاَ

لَكِنَّ خَفْضَ الأَكْثَرِينَ جَنَاَحَهُمْ … رَفَعَ المُلُوكَ وَسَوَّدَ الأَبْطَالاَ

وَإِذَا رَأَيْتَ المَوْجَ يَسْفُلُ بَعْضُهُ … أَلْفَيْتَ تَالِيَهُ طَغَى وَتَعَالَى

نَقْصٌ لِفِطْرَةِ كُلِّ حَيٍ لاَزِمٌ … لاَ يَرْتَجِي مَعَهُ الْحَكِيمُ كَمَالاَ

وَإِذَا اسْتَوى كِسْرَى وَأَجْلَسَ دُونَهُ … قُوَّادَهُ الْبُسَلاَءَ وَالأَقْيَالاَ

صَعِدَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْجَمَاعَةِ صَيْحَةٌ … كَادَتْ تُزَلْزِلُ قَصْرَهُ زِلْزَالا

وَإِذَا الوَزِيرُ بُزَرْجُمُهْرُ يَسُوقُه … جَلاَّدهُ مُتَهَادياً مُخْتالا

وَتَرُوحُ حَولَهُمَا الْجُمُوعُ وَتَغْتَدِي … كَالمَوْجِ وَهْوَ مُدَافَعٌ يَتَتَالَى

سَخِطَ المَلِيكُ عَلَيْهِ إِثْرَ نَصِيحَةٍ … فَاقْتَصَّ مِنْهُ غَوَايَةً وَضَلاَلاَ

أَبُزَرْجُمُهْرَ حَكِيمُ فَارِسَ وَالْوَرَى … يَطَأُ السُّجُونَ وَيَحْمِلُ الأَغْلاَلاَ

كِسْرَى أَتُبْقِي كُلَّ فَدْمٍ غَاشِمٍ … حَياً وَتُرْدِي الْعَادِلَ المِفْضَالاَ

وَتَدُقُّ فِي مَرَأَى الرَّعِيَّةِ عُنْقهُ … لِيَمُوتَ مَوْتَ المُجْرِمِينَ مُذَالاَ

أَيْنَ التَّفَرُّدُ مِنْ مَشُورَةِ صَادِقٍ … وَالحُكْمُ عْدَلُ مَا يَكُونَ جِدَالاَ

إِنْ تَسْتَطِعْ فَاشْرَبْ مِنَ الدَّمِ خَمْرَةً … وَاجْعَل جَمَاجِمَ عَابِدِيكَ نِعَالاَ

وَاذْبَحْ وَدَمَّرْ وَاسْتَبِحْ أَعْراضَهُمْ … وَامْلأَ بِلاَدَهُمُ أَسىً وَنَكَالاَ

فَلأَنْتَ كِسْرَى مَا تَرَى تَحْرِيمَهُ … كَانَ الحَرَامَ وَمَا تُحِلُّ حَلاَلاَ

وَلَيُذْكَرَنَّ الدَّهْرَ عَدْلُكَ بَاهِراً … وَلْتُحْمَدَنَّ خِلاَئِقاً وَفِعَالاَ

لَوْ كانَ فِي تِلْكَ النِّعَاجِ مُقَاوِمٌ … لَك لَمْ تَجِيءْ مَا جِئْتَهُ اسْتِفْحَالاَ

لكِنْ أَرَادَتْ مَا تُرِيدُ مُطِيعَةً … وَتَناوَلَت مِنْكَ الأَذى إِفضَالا

نَادَاهُمُ الْجَلاَّدُ هَلْ مِنْ شَافِعٍ … لِبُزَرْجُمهْرَ فَقالَ كُلٌّ لاَ لاَ

وَأَدَارَ كِسْرَى فِي الجَمَاعَةِ طَرْفهُ … فرَأَى فَتَاةً كَالصَّبَاحِ جَمَالاَ

تَسْبِي مَحَاسِنُهَا الْقُلُوبِ وَتَنْثَنِي … عَنْهَا عُيُونُ النَّاظِرِينَ كَلاَلاَ

بِنْتُ الوَزِيرِ أَتتْ لِتشْهَدَ قَتْلهُ … وَتَرَى السَّفَاهَ مِنَ الرَّشَادِ مُدَالاَ

تَفْرِي الصُّفُوفَ خَفِيَّةً مَنْظُورَةً … فَرْيَ السَّفِينَةِ لِلحِبَابِ جِبَالاً

بَادٍ مُحَيَّاهَا فَأَيْنَ قِنَاعُهَا … وَعَلاَمَ شَاءَتْ أَنْ يَزُولَ فَزَالاَ

لاَ عَارَ عِنْدَهُمْ كَخَلْعِ نِسائِهِمْ … أَسْتَارَهُنَّ وَلَوْ فَعَلْنَ ثَكَالَى

فَأَشَارَ كِسْرَى أَن يُرَى فِي أَمْرِهَا … فَمَضَى الرَّسُولُ إِلى الفَتَاةِ وَقَالا

مَوْلاَي يَعْجَبُ كَيْفَ لَمْ تَتَقَنَّعِي … قَالَتْ لَهُ أَتَعَجُّباً وَسُؤَالاَ

أُنْظُرْ وَقَدْ قُتِلْ الحَكِيمُ فَهَلُ تَرَى … إِلاَّ رُسُوماً حَوْلَهُ وَظِلاَلاَ

فَارْجِعْ إِلَى المَلِكِ الْعَظِيمِ وَقُلْ لَه … مَاتَ النَّصِيحُ وَعِشْتَ أَنْعَمَ بَالاَ

وَبِقيِتَ وَحْدَكَ بَعْدَهُ رَجُلاً فَسُدْ … وَارْعَ النِّسَاءَ وَدَبِّرِ الأَطْفَالاَ

مَا كَانِتِ الْحَسْنَاءُ تَرْفَعُ سِتْرَهَا … لَوْ أَنَّ فِي هَذِي الجُمُوعِ رجَالاَ