سَجَدتُ في هَيكَل الأَماني – الياس أبو شبكة

سَجَدتُ في هَيكَل الأَماني … مُضَعضَعَ العَقلَ وَالجَنانِ

في لَيلَةٍ لَم تُبن شِهاباً … إِلّا أَراشَت سَهماً رَماني

وَقُلتُ لِلمَجدِ وَهو طَيفٌ … لَم أَرَهُ بَعدُ في مَكانِ

إِنَّ أَمامي طَريقَ نَفسي … وَليَهدِني مِنكَ نيِّرانِ

إِذا بِصَوتٍ كَالهَمسِ أَلقى … في مَسمَعي هذِه المَعاني

أَنا خَفيٌّ كَالسِرِّ أَو كَال … هلاكِ أَنقضُّ في ثَوانِ

أَظهَرُ في ساعَة الطعان … بَين ضَبابٍ منَ الدُخّانِ

وَلا يَنالُ الخلودَ مِنّي … إِلّا فُؤادُ الَّذي يَراني

فَما لهاثي إِلّا ضرامٌ … يَدُبُّ في عُنصرِ الزَمانِ

فَلا يَغُرَّنَّكَ اِبتِسامي … فَتَحتَ جَفنيَّ هَوَّتانِ

سَكَبتُ في أَعيُنِ المُعَرّي … زَيتَ النُبُوّاتِ من عُيوني

وَقُلتُ لِلناصِريِّ طَهِّر … ذُنوبَهُم بِالدَمِ الثَمينِ

قُلتُ لِقَيسٍ عَشيقِ لَيلى … أَنشِد وَمُت رافِعَ الجَبينِ

قُلتُ لِليَنين نَم قَريراً … أَنتَ نَبِيٌّ بَعدَ قُرونِ

الصَمتُ في قدسِهِ صَلاتي … وَموحِياتُ الآلامِ ديني

لا يَرتَقي سُلَّمي ضَعيفٌ … أَنا لِبأسٍ لَستُ لِلينِ

مَقالدي الصَبرُ وَالتَأَنّي … وَشِدَّةُ العَزمِ في الشُؤونِ

أَحمِلُ في مُقلَتي عَذاباً … وَشُعلَة النارِ في جَبيني

الشَيخُ مِثلُ الفَتيِّ عِندي … مَن يَسعَ تُفتَح لهُ يَميني

لَمّا أُعَيِّن وَقتَ حُضوري … فَبعدَ حينٍ أَو قَبلَ حينِ

البَعضُ ماتوا تَحتَ ذِراعي … أَمام مِصباحيَ المُنيرِ

وَالبَعضُ ماتوا مُذ جِئتُ حَتّى … أُلقي عَلى رَأسِهِم زُهوري

المَوتُ في مَجدِهِ شِعاري … وَنافِخٌ في الدُجى نَفيري

فَقُبلَةُ الخُلدِ لَم أَضَعها … إِلّا عَلى حافَةِ القُبورِ

مَن يَطلُبُ المَجدَ في حَياةٍ … فَليَشتَرِ المَجدَ بِالزَفيرِ

أَنا هزار في اللَيلِ أَشدو … لَحني عَلى مَسمَح الدهورِ

يَسمعني المَوتُ في دُجاهُ … وَهوَ يُماشي خُطى العصورِ

أَشرَبُ من أَدمُعٍ عذارى … وَمن دماء القَلبِ الكَبيرِ

وَلَستُ أُحيي ذِكراً مُجيداً … لِذي نُبوغٍ وَذي ضَميرِ

إِلّا إِذا ما اِفتَرَستُ قَلباً … يَكون أَقوى من النُسورِ