سهرتُ والليلُ أمسى للورى سكنا – مصطفى صادق الرافعي

سهرتُ والليلُ أمسى للورى سكنا … فمن يدلُّ على أجفاني الوسنا؟

أرعى كواكِبها حتى إذا أفلتْ … ألقيتُ للطيرِ في تحنانها الأذنا

واسألِ الحبَّ عن روحي وعن بدني … فلا أرى لي لا روحاً ولا بدنا

وما نظرتُ لأعضائي وقد بليتْ … إلا حسبتُ ثيابها فوقَها كفنا

يا من يعزُّ على نفسي تدلله … كم ذا أكابدُ فيكَ الذلَّ والوهنا

دروا بما بي ولولا الدمعُ كانَ دما … لما تظنوهُ إلا عارضاً هتنا

وربَّ ذي سفهٍ قد هبَّ يعذلُني … فقالَ أنتَ الفتى المضنى فقلتُ أنا

وهل أخافُ على سرِّ الهوى أحداً … وقدْ خلقتُ على الأسرارِ مؤتمنا

فدع غرامكَ يطويني وينشرني … ودعْ عذولي يطوي جنبهُ الضغنا

من كان مثلي لم يحفلْ بمثلهمُ … ومن أحبَّ استلانَ المركبَ الخشنا

كأنما الحسنُ أمسى فيكَ مجتمعاً … فأينما نظرتْ عيني رأتْ حسنا

وإن تكنْ للعاشقينَ فما … يزالُ أمرُ الهوى في ما بيننا فتنا

فاسأل محياكَ كم أخجلتَ من قمرٍ … وسل قوامكَ ذا المياسِ كم غصنا

وكم يبيعكَ أهلُ العشقِ أفئدةً … وأنتَ لا عوضاً تعطي ولا ثمنا

فيمَ اقتصاصكَ في قلبي تعذبني … وما جنيتُ ولا قلبي عليكَ جنى

أما كفاني ما ألقاهُ من زمني … حتى أغالبَ فيكَ الشوقَ والزمنا

إني وإياكَ كالمنفيِّ عن وطنٍ … أيُّ البلادِ رأى لم ينسهِ الوطنا

وما أطافَ بقلبي في الهوى أملٌ … إلا بعثتَ عليهِ الهمَّ والحزنا

ليهنكَ اليومَ أني ممسكٌ كبدي … وإنها قطعٌ تجري هنا وهنا

وفي الجوانحِ شيءٌ لستُ أعرفهُ … لكنْ أهل الهوى يدعونهُ شجنا

يبيبتُ ينبضُ قلبي من تقلبهِ … حتى إذا ذكروا من هاجهُ سكنا

فهلْ رثيتَ لمن لو بثَّ لوعتهُ … معَ الصباحِ لأبكى الطيرَ والفننا

وهل تعللنا يوماً بموعدةٍ … وإن تكن لا تفي سرّاً ولا علنا

أوأن نفسي على كفيكَ لانحدرتْ … ولو دفنتُ لما باليتَ من دُفنا

وذو الشقاوةِ مقرونٌ بشِقْوَتهِ … أنى تقلبَ جرتْ خلفهُ المحنا