زحف العروبة – عبدالله البردوني

لبّيك وازدحمت على الأبواب … صبوات أعياد و عرس تصابي

لبّيك يابن العرب أبدع دربنا … فتن الجمال المسكر الخلّاب

فتبرّجت فيه المباهج مثلما … تتبرّج الغادات للعزّاب

واخضرّت الأشواق فيه و المنى … كالزهر حول الجدول المنساب

و مضى به زحف العروبة و الدنى … ترنو ، و تهتف عاد فجر شبابي

إنّا زرعناه منى و جماجما … فنما و أخصب أجود الإخصاب

و يحدّق التاريخ فيه كأنّه … يتلو البطولة من سطور كتاب

عاد التقاء العرب فاهتف يا أخي … للفجر ، وارقص حول شدو ربابي

و اشرب كؤوسك واسقني نخب اللّقا … واسكب بقايا الدنّ في أكوابي

هذي الهتافات السكارى و المنى … حولي تناديني إلى الأنخاب

خلفي و قدّامي هتاف مواكب … و هوى يزغرد في شفاه كعاب

و الزهر يهمس في الرياض كأنّه … أشعار حبّ في أرقّ عتاب

و الجوّ من حولي يرنحه الصدى … فيهيم كالمسحورة المطراب

و الريح ألحان تهازج سيرنا … و الشهب أكواب من الأطياف

إنّا توحّدنا هوى و مصائرا … و تلاقت الأحباب بالأحباب

أترى ديار العرب كيف تضافرت … فكأنّ ” صنعا ” في ” دمشق ” روابي

و كأنّ ” مصر ” و ” سوريّا ” في مأرب ” … علم و في ” صنعا ” أعزّ قباب

لاقى الشقيق شقيقه ، فاسألهما … كيف التلاقي بعد طول غياب ؟

اليوم ألقى في ” دمشق ” بني أبي … و أبثّ أهلي في الكنانة ما بي

و أبثّ أجدادي بني غسّان في … ربوات ” جلّق ” محنتي و عذابي

و أهيم و الأنسام تنشر ذكرهم … حولي فتنضح بالعطور ثيابي

و أهزّ في ترب ” المعرّة ” شاعرا … مثلي : توحّد خطبة و مصابي

و أعود أسأل ” جلّقا ” عن عهدها … ” بأميّة ” و بفتحتها الغلّاب

صور من الماضي تهامس خاطري … كتهامس العشّاق بالأهداب

دعني أغرّد فالعروبة روضتي … ورحاب موطنها الكبير رحابي

” فدمشق ” بستاني ” و مصر ” جداولي … و شعاب ” مكّة ” مسرحي و شعابي

و سماء ” لبنان ” سماي وموردي … ” بردى ” و دجلة و الفرات شرابي

رديار ” عمّان ” دياري … أهلها … أهلي و أصحاب العراق صحابي

بل إخوتي و دم ” الرشيد ” يفور في … أعصابهم و يضجّ في أعصابي

شعب العراق و إن أطال سكوته … فسكوته الإنذار للإرهاب

سل عنه سل عبد الإله و فيصلا … يبلغك صرعهما أتمّ جواب

لن يخفض الهامات للطاغي و لم … تخضع رؤوس القوم للأذناب

وطن العروبة موطني أعياده … عيدي ، و شكوى إخوتي أوصابي

فاترك جناحي حيث يهوى يحتضن … جوّ العروبة جيئتي و ذهابي

يا ابن العروبة شدّ في كفّي يدا … ننفض غبار الذلّ و الأتعاب

فهنا هنا اليمن الخصيب مقابر … ودم مباح واحتشاد ذئاب

ذكّره بالماضي عسى يبني على … أضوائه مجدا أعزّ جناب

ذكّره بالتاريخ واذكر أنّه … شعب الحضارة مشرق الأحساب

صنع الحضارة و العوالم نوّم … و الدهر طفل في مهود تراب

و مشى على قمم الدهور إلى العلا … و بني الصروح على ربى الأحقاب

و هدى السبيل إلى الحضارة و الدنى … في التيه لم تحلم بلمح شهاب

فمتى يفيق على الشروق و يومه … يبدو و يخفي كالشعاع الخابي

يا شعب مزّق كلّ طاغ وانتزع … عن ساقيك مهابة الأرباب

واحذر رجالا كالوحوش كسوتهم … خلعا من ” الأجواخ ” و الألقاب

خنقوا البلاد وجورهم و عتوّهم … كلّ الصواب و فصل كلّ خطاب

لم يحسبوا للشعب لكن عنده … للعابثين به أشدّ حساب

صمت الشعوب على الطغاة و عنفهم … صمت الصواعق في بطون سحاب

فاحذر رجالا كالوحوش همومهم … سلب الحمى والفخر بالأسلاب

شهدوا تقدّمك السريع فأسرعوا … يتراجعون به على الأعقاب

لم يحسنوا صدقا و لا كذبا سوى … حيل الغبيّ و خدعة المتغابي

قل للإمام : و إن تحفّز سيفه … أعوانك الأخيار شرّ ذئاب

يومون عندك بالسجود و عندنا … يومون بالأظفار و الأنياب

هم في كراسيهم قياصرة وهم … عند الأمير عجائز المحراب

يتملّقون و يبلغون إلى العلا … بخداعهم و بأخبث الأسباب

من كلّ معسول النفاق كأنّه … حسنا تتاجر في الهوى و ترابي

و غدا سيحترقون في وهج السنى … و كأنّهم كانوا خداع سراب

و تفيق “صنعاء ” الجديد على الهدى … و الوحدة الكبرى على الأبواب