رُدِّي التَّحِيَّة َ يَا مَهَاة َ الأَجْرَعِ – محمود سامي البارودي

رُدِّي التَّحِيَّة َ يَا مَهَاة َ الأَجْرَعِ … وصِلِى بِحبلكِ حَبلَ مَنْ لَم يَقطَعِ

وتَرَفَّقى بِمُتيَّمٍ عَلِقَت بهِ … نارُ الصَبابة ِ ، فَهوَ ذا كِى الأضلُعِ

طَربِ الفؤادِ ، يَكادُ يَحمِلهُ الهَوى … شَوْقاً إِليْكِ مَعَ الْبُرُوقِ اللُّمَّعِ

لاَ يَسْتَنِيمُ إِلَى الْعَزاءِ، وَلاَ يَرَى … حَقّاً لِصَبْوَتِهِ إِذَا لَمْ يَجْزَعِ

ضَمَّتْ جَوَانِحُهُ إِلَيْكِ رِسَالَة ٍ … عُنْوَانُهَا فِي الْخَدِّ حُمْرُ الأَدْمُعِ

فَمَتَى يَبُوحُ بِمَا أَجَنَّ ضَمِيرُهُ … إِنْ كُنْتِ عنْهُ بِنَجْوَة ٍ لَمْ تَسْمَعِي؟

أَصْبَحْتُ بَعْدَكِ في دَيَاجِرِ غُرْبَة ٍ … ما للصَّباحِ بِليلِها مِنْ مَطلَعِ

لا يَهتَدى فِيها لِرَحلِى َ طارِقٌ … إِلاَّ بِأَنَّة ِ قَلْبِيَ الْمُتَوَجِّعِ

أَرْعَى الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ، كَأَنَّ لِي … عِندَ النجومِ رَهينة ً لَم تُدفَعِ

زُهْرٌ تَأَلَّقُ بِالْفَضَاءِ، كَأَنَّهَا … حببٌ تَرَدَّدَ فى غَديرٍ مُترَعِ

وَكَأَنَّهَا حَوْلَ الْمَجَرِّ حَمَائِمٌ … بِيضٌ عَكَفْنَ عَلَى جَوَانِبِ مَشْرَعِ

وتَرى الثُريَّا فى السَماءِ كأنَّها … حَلَقاتُ قُرطٍ بالجُمانِ مُرصَّعِ

بَيضاءُ ناصِعة ٌ كبَيضِ نَعامة ٍ … فِي جَوْفِ أُدْحِيٍّ بِأَرْضٍ بَلْقَعِ

وَكَأَنَّهَا أُكَرٌ تَوَقَّدَ نُورُهَا … بِالكهرباءة ِ فى سَماوة ِ مَصنعِ

وَاللَّيْلُ مَرْهُوبُ الْحَمِيَّة ِ، قَائِمٌ … فى مَسحهِ ، كالراهبِ المُتلَفعِ

مُتَوَشِّحٌ بِالنَّيِّراتِ، كَبَاسِلٍ … مِنْ نَسلِ حام ٍ، باللُّجينِ مُدرَّعِ

حَسِبَ النُجومَ تَخلَّفتْ عن أمرهِ … فَوحى لَهُنَّ مِنَ الهِلالِ بِإصبعِ

ما زِلتُ أرقبُ فَجرَهُ حتَّى انجلَى … عَنْ مِثْلِ شَادِخَة ِ الْكُمَيْتِ الأَتْلَعِ

وَتَرَنَّمَتْ فَوْقَ الأَرَاكِ حَمَامَة ٌ … تَصِفُ الْهَوَى بِلِسَانِ صَبٍّ مُولَعِ

تَدعو الهَديلَ ، وما رأتهُ ، وتِلكَ مِنْ … شِيمِ الحمائمِ بِدعَة ٌ لم تُسمَعِ

رَيَّا الْمَسَالِكِ، حَيْثُ أَمَّتْ صَادَفَتْ … ما تَشتَهِى مِنْ مَجثَمٍ أو مَرتعِ

فإذا عَلت سَكنت مَظَلَّة َ أيكَة ٍ … وَإِذَا هَوَتْ وَرَدَتْ قَرَارَة َ مَنْبَعِ

أَمْلَتْ عَلَيَّ قَصِيدَة ً فَجَعَلْتُهَا … «لِشَكِيبَ» تُحْفَة َ صَادِقٍ لَمْ يَدَّعِ

هِى َ مِن أهازيجِ الحمامِ ، وإنَّما … ضَمَّنْتُهَا مَدْحَ الْهُمَامِ الأَرْوَعِ

هُوَ ذَلِكَ الشَّهْمُ الَّذِي بَلَغَتْ بِهِ … مَسْعَاتُهُ أَمَدَ السِّمَاكِ الأَرْفَعِ

نِبْرَاسُ دَاجِيَة ٍ، وَعُقْلَة ُ شَارِدٍ … وخطيبُ أندية ٍ ، وفارسُ مَجمَعِ

صَدقُ البيان ، أعضَّ جَرولَ باسمهِ … وَثَنَى «جَريراً» بِالْجَرِيرِ الأَطْوَعِ

لم يتَّخِذ بَدرَ المُقنَّعِ آية ً … بَلْ جاءَ خاطِرهُ بِآية ِ يُوشَعِ

أحيا رَميمَ الشِعرِ بَعدَ هُمودِهِ … وَأَعَادَ لِلأَيَّامِ عَصْرَ «الأَصْمَعِي»

كَلِمٌ لَها فى السَمعِ أطرَبُ نَغمَة ٍ … وَبِحُجْرَة ِ الأَسْرَارِ أَحْسَنُ مَوْقِعِ

كَالزَّهْرِ خَامَرَهُ النَّدَى ، فَتَأَرَّجَتْ … أَنْفَاسُهُ بِالْعَنْبَرِ الْمُتَضَوِّعِ

يَعْنُو لَهَا الْخَصْمُ الأَلَدُّ، ويغْتَذِي … بِلِبانِها ذِهْنُ الْخَطِيبِ الْمِصْقَعِ

هِى نُجعَة ُ الأدَبِ الَّتى مَن أمَّها … أَلْقَى مَرَاسِيَهُ بِوَادِ مُمْرِعِ

مَلكَتْ هَوى نَفسى ، وأحيَت خاطِرى … وَرَوَتْ صدَى قَلْبِي، وَلَذَّتْ مِسْمَعِي

فاسلَم شكيبُ ولا برِحتَ بِنِعمة ٍ … تَحنو عليكَ بِأيكِها المًتفرِّعِ

فلأنتَ أجدَرُ بِالثناءِ لِمِنَّة ٍ … أَوْلَيْتَهَا، والْبِرُّ أَفْضَلُ مَا رُعِي

أرهفتَ حَدِّى ، فَهوَ غيرُ مُفلَّلٍ … وَرَعَيْتَ عَهْدِي، فَهْوَ غَيْرُ مُضَيَّعِ

وبثقتَ لِى مِنْ فَيضِ بَحرِكَ جَدولاً … غَمَرَ الْبِحَارَ بِسَيْلِهِ الْمُتَدَفِّعِ

عَذُبَت مَوارِدهُ ، فَلو ألقَتْ بهِ … هِيمُ السَحابِ دِلاءها لَم تُقلعِ

وزَهَت فَرائده ُ، فَصارتْ غُرَّة ً … لِجَبِينِ كُلِّ مُتَوَّجٍ وَمُقَنَّعِ

هُوَ ذَلِكَ النَّظْمُ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ … أَهْلُ الْبَرَاعَة ِ بِالْمَقَالِ الْمُبْدَعِ

أَبْصَرْتُ مِنْهُ أَخَا «إِيادٍ» خَاطِباً … وسَمِعتُ عنترة َ الفوارسِ يَدَّعى

وحَلَمْتُ أَنِّي فِي خَمَائِلِ جَنَّة ٍ … وَمِنَ الْعَجَائِبِ حَالِمٌ لَمْ يَهْجَعِ

فَضلٌ رَفعتَ بهِ مَنارَ كرامة ٍ … صَرَفَ الْعُيُونَ عَنِ الْمَنَارِ «لِتُبَّعِ»

فَمتى أقومُ بِشُكرِ ما أوليتَنِى … والنَجمُ أقربُ غاية ً مِن مَنزِعِى

فَاعْذِرْ إِذَا قَصَرَ الثَّنَاءُ، فَإِنَّنِي … رُزتُ المَقالَ فَلَمْ أجِدْ مِن مَقنَعِ

لاَ زِلْتَ تَرْفُلُ فِي وِشَاءِ سَعَادَة ٍ … وحَبيرِ عافِية ٍ ، وعَيشٍ أمرَعِ