ريتا أحبيني – محمود درويش

في كلّ أمسية، نخّبيء في أثينا

قمرا و أغنية. و نؤوي ياسينا

قالت لنا الشرفات:

لا منديله يأتي

و لا أشواقه تأتي

و لا الطرقات تحترف الحنينا.

نامي هنا البوليس منتشر

هنا البوليس، كالزيتون، منتشر

طليقا في أثينا

في الحلم، ينضم الخيال إليم

تبتعدين عني.

و تخاصمين الأرض

تشتعلين كالشفق المغنّي

ويداي في الأغلال.

“سنتوري” بعيد مثل جسمك

في مواويل المغنّ..

ريتا.. أحبّيني و موتي في أثينا

مثل عطر الياسمين

لتموت أشواق السجين ..

الحبّ ممنوع..

هنا الشرطيّ و القدر العتيق

تتكسر الأصنام إن أعلنت حبك

للعيون السود

قطاع الطريق

يتربصون بكل عاشقة

أثينا.. يا أثينا.. أين مولاتي؟

_على السكّين ترقص

جسمها أرض قديمة

و لحزنها وجهان:

وجه يابس يرتدّ للماضي

ووجه غاص في ليل الجريمة

و الحب ممنوع ،

هنا الشرطيّ، و اليونان عاشقة يتيمة

في الحلم، ينضمّ الخيال إليك ،

يرتدّ المغني

عن كل نافذة، و يرتفع الأصيل

عن جسمك المحروق بالأغلال

و الشهوات و الزمن البخيل.

نامي على حلمي. مذاقك لاذع

عيناك ضائعتان في صمتي

و جسمك حافل بالصيف و الموت الجميل .

في آخر الدنيا أضمّك

حين تبتعدين ملء المستحيل .

ريتا.. أحبّيني و موتي في أثينا

مثل عطر الياسمين

لتموت أشواق السجين ..

منفاي: فلاّحون معتقلون في لغة الكآبة

منفاي: سجّانون منفيون في صوتي..

و في نغم الربابة

منفاي: أعياد محنّطة.. و شمس في الكتابة

منفاي: عاشقة تعلق ثوب عاشقها

على ذيل السحابة

منفاي: كل خرائط الدنيا

و خاتمة الكآبه

في الحلم، شفّاف ذراعك

تحته شمس عتيقة

لا لون للموتى، و لكني أراهم

مثل أشجار الحديقة

يتنازعون عليك،

ضميهم بأذرعة الأساطير التي وضعت حقيقة

لأبرّر المنفى، و أسند جبهتي

و أتابع البحث الطويل

عن سرّ أجدادي، و أول جثة

كسرت حدود المستحيل.

في الحلم شفّاف ذراعك

تحته شمس عتيقة

و نسيت نفسي في خطى الإيقاع

ثلثي قابع في السجن

و الثلثان في عشب الحديقة

ريتا.. أحبّيني و موتي في أثينا

مثل عطر الياسمين

لتموت أشواق السجين ..

الحزن صار هوية اليونان،

و اليونان تبحث عن طفولتها

و لا تجد الطفولة

تنهار أعمدة الهياكل

أجمل الفرسان ينتحرون.

و العشّاق يفترقون

في أوج الأنوثة و الرجوله .

دعني و حزني أيّها الشرطيّ،

منتصف الطريق محطّتي ،

و حبيبتي أحلى قتيلة.

ماذا تقول؟

تريد جثذتها؟

لماذا؟

كي تقدمها لمائدة الخليفة؟

من قال إنك سيدي ؟

من قال إن الحبّ ممنوع ؟

و إن الآلهه

في البرلمان ؟

و إن رقصتنا العنيفة

خطر على ساعات راحتك القلية؟

الحزن صار هوية اليونان،

و اليونان تبحث عن طفولتها

و لا تجد الطفولة.

حتى الكآبه صادرتها شرطة اليونان

حتى دمعة العين الكحيلة.

في الحلم، تتّسع العيون السود

ترتجف السلاسل ..

يستقبل الليل..

تنطلق القصيدة

بخيالها الأرضيّ ،

يدفعها الخيال إلى الأمام.. إلى الأمام

بعنف أجنحة العقيدة

و أراك تبتعدين عني

آه.. تقتربين مني

نحو آلهة جديدة.

ويداي في الأغلال، لكني

أداعب دائما أوتار سنتوري البعيدة

و أثير جسمك..

تولد اليونان..

تنتشر الأغاني ..

يسترجع الزيتون خضرته ..

يمر البرق في وطني علانية

و يكتشف الطفوله عاشقان..

ريتا.. أحبّيني و موتي في أثينا

مثل عطر الياسمين

لتموت أحزان السجين..