رأيتُ الذي قدْ جاءَ من أرضِ بابلٍ – محيي الدين بن عربي
رأيتُ الذي قدْ جاءَ من أرضِ بابلٍ … بعلمٍ صحيحٍ للهوى غيرِ قابلِ
فقلتُ له أهلاً وسهلاً ومَرحباً … فردَّ بتأهيلٍ على كلِّ آهلِ
ألا إنَّ شرَّ الناسِ من كان أعزبا … وإنْ كان بين الناس جمَّ الفضائلِ
وما في عبادِ الله من هو أعزب … فيا جاهلاً لم تخل مني بطائل
تأملْ وجودَ الأصل إذ شاء كوننا … فهلْ كنتَ إلا بينَ قولٍ وقائلِ
فقال لشيءٍ كُن فكان لحينه … عن أمر إله بالطبيعة ِ فاعل
فأرضعني حولين جوداً ومنَّة ً … تماماً لكي أربى على كلِّ كاملِ
فثنى ولمْ يفردْ فعمَّ وجودنا … بحوليه جوداً كلَّ عالٍ وسافلِ
وفاطمتي ما كانتْ إلا طبيعتي … لآخذَ عنه العلمَ من غيرِ حائلِ
لقدْ فطمتني والهوى حاكمٌ لها … عليَّ بحبٍّ ثابتٍ غيرِ زائلِ
فما ثمَّ إلا عاشقُ عينِ ذاتهِ … عموماً وتخصيصاً لدى كلِّ عاقلِ
فلوْ لمْ يكنْ لي شاهدٌ غيرَ نشأتي … على الصورة ِ المثلى كفاني لسائلِ
بها أقبل الأسماء منه تحققاً … ويقبل آسمائي حكومة َ عادلِ
إذا هو ناداني فتى فأجبتُه … به عند فصلِ واصلٍ غيرَ فاصل
لقد قسم الرحمن بيني وبينه … صلاة ً على رغمِ الأنوفِ الأوائلِ
فقمتُ بها والعلمُ يشهدُ أنني … بها بين مفضولٍ يقومُ وفاضل
فقال وقلنا والخطوبُ كثيرة ٌ … فأسمنني شرَّ الخطوبِ النوازِلِ
وما قسمَ الرحمنُ إلا كلامَهُ … فنحكي وما يتلى بعيرِ المقاتلِ
بذا جاءَ لفظُ العبدِ فيها لأنهُ … غيورٌ فينفي عنهُ جدَّ المماثلِ
كما جاءَ في الشورى وفيهِ تنبهٌ … لكلِّ لبيبٍ في المحاضر واصل
تمنيت منه أن أفوز بقربه … فقالَ تمنَّ حكمهُ غيرَ حاصلِ
ومن يقتربْ منه يجد غيرَ نفسه … وليس أخو علم بأمرٍ كجاهل
ولو علمَ الرآؤون ماذا يرونه … وفيما رأوه لم يفوزوا بنائل
ولكنها الأوهامُ لمْ تخلُ فيهمُ … بأحكامها ما بينَ بادٍ وآفلِ
فيعطيكَ زهداً بالأفولِ ورغبة ً … إذا هي تبدو ناجزاً غير آجل
تحفظ فإنَّ الوهم مدَّ شِباكه … وما يبتغي غيرَ النفوسِ الغوافلِ
فلا تطعمنْ في الحبِّ فهوَ خديعة ٌ … أراكَ لتمشي في حبالة ِ حابِ
لذلك كان الزهد أشرفَ حلية ٍ … تحلَّى بها قلبُ الشجاعِ المناضل