ذَلكَ الشَّعْبُ الَّذِي آتاهُ نَصْرَا – خليل مطران

ذَلكَ الشَّعْبُ الَّذِي آتاهُ نَصْرَا … هُوَ بِالسُّبَّةِ مِنْ نيْرونَ أَحْرى

أَيُّ شيءٍ كانَ نَيرون الَّذِي … عَبَدوهُ كان فَظَّ الطَّبْعِ غِرَّا

بَارِزَ الصُّدْغيْنِ رَهْلاً بَادِناً … لَيسَ بِالأَتُلَعِ يَمْشِي مُسْبَطِرَّا

خائِبَ الهِمَّةِ خَوَّارَ الحَشا … إِنْ يوَاقَفْ لَحْظهُ بِاللَّحْظِ فَرَّا

قَزْمَةٌ هُمْ نَصَبوهُ عَالِياً … وَجَثوْا بَينَ يَدَيْهِ فَاشْمَخَرَّا

ضَخَّموهُ وَأَطالُوا فَيْئَهُ … فَترَامَى يَملأُ الآفاقَ فُجْرَا

مَنَحُوهُ مِنْ قُوَاهُمْ مَا بِهِ … صَارَ طاغُوتاً عَليْهِمْ أَوْ أَضرَّا

يَكْثُرُ الإِعْصَار هَدْماً وَردىً … إِنْ يُكاثرْهُ وَما أَوْهَاهُ صَدْرا

مَد فِي الآفاقِ ظِلاًّ جَائِلاً … هوَ ظِلّ المَوْتِ أَوْ أَعْدَى وَأَضْرى

إِنْ رَسَا فِي موْضِعٍ طَمَّ الأَسَى … أَوْ مَضى فاظْنُنْ بِسَيْفِ اللّهِ بَترَا

مُتلِفاً لِلزرْعِ وَالضَّرْعِ مَعاً … تارِكاً فِي إِثرِهِ المَعْمور قَفْرا

إِنَّما يَبْطِشُ ذُو الأَمرِ إِذا … لمْ يَخَفْ بَطْشَ الأُولى وَلَّوْهُ أَمْرَا

سَاسَ نيْرُونُ بِرِفْقٍ قوْمَهُ … مُسْتِهلاًّ عَهْدَهُ بِالخيْرِ دَثْرا

مُسْتشِيراً فِيهِمُ الحِذرَ إِلى … أَنْ بَلا القوْمَ فمَا رَاجَعَ حِذْرَا

ضارِباً فِيهِمْ بِكفٍ مَرَّةً … بَاسِطاً كفَّيْهِ بالإِحْسَانِ مَرَّا

لانَ حتَّى وَجَدَ اللِّينَ بِهِمْ … فجَفا ثُمَّ عَتا ثُمَّ اقْمَطرَّا

لبِسَ الحِلْمَ لهُمْ حَتَّى إِذا … آنسَ الحِلْمَ بِهِمْ مِنْهُ تعَرَّى

وَانْتَحَى يُرْهِقُهُمْ خَتْراً فَمَا … عَاقِلٌ فِي مَعقِلٍ يَأْمَنُ خَترَا

بَادِئاً تَجْرِبَةَ البَأْسِ بِمَنْ … هُوَ مِنْ أَهَلِيهِ فِي الأَدْنَيْنَ إِصْرَا

لَمْ يُشَفِّعْهُمْ لَديْهِ أَنَّهُمْ … أَعلَقُ النَّاسِ بِهِ قُرْبَى وَصِهْرَا

مُسْتَبِيحاً بَعْدَهُمْ كُلَّ امِريءٍ … رَابَهُ سَمّاً وَإِحْرَاقاً وَنَحْرَا

مِنْ مُوَالِينَ وَنُدْمَانٍ لَقُوا … حتْفَهُمْ حَيثُ رجَوْا سَيباً مُبِرَّا

وَأُولِي عِلْمٍ عَلى تَأْدِيبِهِ … أَنْفَقوا مِنْ عِلْمِهِمْ مَا جَلَّ ذُخْرَا

حَذَّرُوهُ شَرَّ مَا يُعْقِبُهُ … بَغْيُهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ لَوْماً وشُرَّا

فَأَبَاحُوا خَطَلاً أَنْفُسَهُمْ … وَأُولِي الأَلْبَابِ أَعْياناً وَغُثْرَا

ظَنَّ فِي الجُمهُورِ أَعَدَاءً لَهُ … مُلِئَتْ أَكْبادُهُمْ ضِغْناً وَدَغْرَا

كَاظِمِينَ الغيْظَ خَافِينَ إِلى … أَنْ يَلُوْا فِي وَجْهِهِ العُدْوَان جَهْرَا

نَاكِسِي الهَامَاتِ حَتَّى يُشْهَدُوا … فِي لِقَاءِ القَادِرِينَ الصُّعْرِ صُعْرَا

مِنْ غَيَابَاتِ الدُّجَى أَبْصَارُهُمْ … تَطْلُبُ النُّورَ وَتأْبَى أَنْ تَقِرَّا

فِئَةٌ شُكْسٌ غُلاةٌ طالمَا … ناوَأُوا الحُكْمَ وَهَاجُوا القَوْمَ نَأْرَا

قَتَلُوا تَركِينَ فِي دعَوَاهُمُ … أَنَّهُ يُسْرِفُ فِي السُّلْطَانِ حَكْرَا

وَأَثابُوا بِالرَّدَى قَيصَرَ إذْ … أَخْضَعَ الدُّنْيَا لهُمْ بَرّاً وَبَحْرَا

أَصَحِيحٌ أَنَّ رُومَا حَفِظَتْ … مِنْ جَلالِ العِزَّةِ القَعْسَاءِ غبْرَا

لمْ يَخَلْ ذِلكَ نَيرُونُ وَلَمْ … يَرَ مَنْ يَأْمِنُهَا يَأْمِنُ وَتْرَا

عَدَّ عَنْ ذِلكَ وَاذْكُرْ قَتْلَهُ … أُمَّهُ كمْ عِظَةٍ فِي طيِّ ذِكْرَى

هِيَ أَرْدَتْ عَمَّهُ مِنْ أَجْلِهِ … وَأَرَتْهُ كَيْفَ أَخْذُ المُلْكِ قَهَرَا

وَرَعَتْهُ حَاكِماً حَتَّى إِذا … شَجَرَتْ بَيْنَهُمَا الْعِلاَّتُ شجْرَا

وَرَأَى الشّرْكة فِي سُلْطَانِهِ … وَهَناً وَالنّصْحَ تقْيِيداً وَحَجْرَا

سَخَّرَ الْفُلْكَ لهَا تُغْرِقُهَا … فَنَجَتْ وَالْغَوْرُ لاَ يُدْرِكُ سَبْرَا

فتبَاكَى خُدْعَةً لَكِنَّهَا … لمْ يَفُتْهَا مَا وَرَاءَ الْعَيْنِ عَبْرَى

فَاصْطَفى مِن جُنْدِها مُؤْتمَناً … خائِناً يَأْخُذُهَا بِالسَّيْفِ غَدْرَا

وَلِفَضلٍ فِي نُهَاهَا اسْتشْعَرَتْ … غِيلَةَ الوَغْدِ إِذِ الْبَارِقُ ذَرَّا

لَحْظَةٌ فِيها اسْتبَانَتْ هَوْلَ مَا … إِثْمُهَا أَمْسِ عَلَيْهَا الْيَوْمَ جَرَّا

غيْرَ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْهَا لمْ يَقَعْ … مَوْقِعاً يُزْرِي إِذَا مَا الْخَوْفُ أَزْرَى

فأَشَارَتْ قُبُلاً لمْ تحْتَشِمْ … وَلَهَا وَقْفَتَهَا تِيهاً وَجَبْرَا

ثُمَّ قَالَتْ دُونَكَ الْبَطْنُ الَّذِي … نكَبَ الدُّنْيَا بِهِ فَابْقَرْهُ بَقْرَا

هَكذَا الْبَاغِي عَلى جُبْنٍ بِهِ … بَدَأَ الْبَغْيَ وَبِالْفَتْكِ تَضَرَّى

يَخْتِلُ النَّاسَ فُرَادَى فإِذَا … أَجْمَعُوا رَأْياً أَدَارَ الطَّعْنَ نَثْرَا

مَنْ يَجِدْهُ مُمْكِناً أَصْمَى وَمَنْ … لَمْ يَجِدْهُ مُمْكِناً مَنَّى فَأَغْرَى

مُسْتِطيلاً مَا اشْتَهَى فِي بَغْيِهِ … قَائِلا مَا اسْطاعَ لِلرَّأْفِة قصْرَا

غالَ مَنْ غالَ بِهِمْ فِي شُبْهَةٍ … بَلْ كَفَى أَنْ خالَ حَتَّى اقْتَصَّ وَغْرَا

وَادّعَى الْوِزْرَ وَقَاضَى وَقَضى … غَيْبَةً إِنْ كَانَ أَوْ لَمْ يَكُ وِزْرَا

وَبَنُو رُومَا سُجُودٌ حَوْلَهُ … رُكَّعٌ رَاضُونَ ما سَاءَ وسَرّا

لَوْ عَلَوْا كَالمَدِّ فِي بَحْرٍ طَغى … ثُمَّ ظَنُّوهُ لعَادَ المَدُّ جَزْرَا

كُلَّمَا كَفْكَفَهُ نَاهِي النُّهَى … عَنْ أَذَاهُمْ جَرَّأُوهُ فَتجَرَّى

لَيْسَ بِالتَّارِكِ فِيهِمْ جُهْدَهُ … لِسِوَى أَعْوَانِهِ جَاهاً وَأَزْرَا

أَفسَدَ الْقَوْمَ عَلى أَنْفُسِهِمْ … فَإِذَا الأَخْفَرُ مَنْ كَان الأَبَرَّا

وَإِذَا الأَوْفَى خَئُونٌ وَإِذَا … حَسَنُ النَّكْرِ قُبَيْلاً سَاءَ نكْرَا

وَإِذَا كُلُّ وَلاءٍ عَامِرٍ … تَحْتَهُ مَفْسَدَةٌ تَحْفُرْ حَفْرَا

ظَلَّ فِي الإِرْهَابِ حَتَّى خَفَّ مِنْ … قذْفِهِمْ فِي رُوْعِهِ مَا كانَ وَقْرَا

فَانثَنَى مُنْشرِحاً صَدراً كَأَنْ … لَمْ يَجِيءْ مِنْ شُنَعِ التَّنْكِيلِ صَدْرَا

كُلَّ يَوْمٍ يَمْنَحُ الْجيْشَ حُبىً … وَعَطَايَا جَمَّةً تُبْذر بَذْرَا

كُلَّ يَوْمٍِ يَصِلُ الشَّعْبَ بِمَا … ليْسَ يُبْقِي لاسْتِياءٍ فِيهِ حِبْرَا

كلَّ يَوْمٍ يَنْتدِي حَيْثُ انْتَدَى … لِلْمَلاهِي قوْمُهُ صُبْحاً وَعَصْرَا

فَأَحَبُّوهُ لِهذَا وَنَسُوا … مَا بِهِمْ حَلَّ مِنْ الأَرْزَاءِ غُزْرَا

وجَرَى فِي كُلِّ شَوْطٍ آمِناً … وَتَمَلَّى الْعَيْشَ بَعْدَ الخَوْفِ طَثْرَا

أَخْطَرَ الأَمْنُ قَلِيقُوْلاَ عَلى … بَالِهِ والْهَزْرُ قَدْ يُعْقِبُ هَزْرَا

أَفَتَدْرِي مَنْ قَلِيقُوْلا وَمَا … سَامَهُ الرَّومَانَ مُسْتَخْذِينَ بُهْرَا

أَفَتَدْرِي أَيَّ حُكْمٍ جَائِرٍ … ذِلك الطَّاغِي عَلى الرُّومَانِ أَجْرَى

أَفَتَدْرِي ما الَّذِي كَلَّفَهُمْ … ذاتَ يَوْمٍ ضحِكاً مِنهُمْ وَسُخْرا

يَوْمَ أَمْسَى غيْرَ مُبْقٍ بَيْنهُمْ … مِنْ أُسُودِ الْخِدْرِ منْ يَعْصِمُ خِدْرَا

وَثنى الأَعْيَانَ فِي نَدْوَتِهِمْ … طوْعَ كفَّيْهِ أَأَحْلى أَم أَمَرَّا

فَنَوَى أُفْعُولةً لَمْ يَنْوِها … غَيْرُهُ مِنْ قَبْلُ مَهْما يَكُ جَسْرَا

لَوْ أَسرَّتْ نَفْسُ أَشْقى ظَالِمٍ … بَعْضَهَا أَخْجَلَهُ مَا قَدْ أَسَرا

ذَاك أَنْ وَلَّى عليهِمْ قُنْصُلاً … فَرَساً مِنْ خَيْلِهِ أَصْهَبَ تَرَّا

مَرِنَ الأَرْسَاغِ مِمْرَاحاً يُرَى … قَارِحاً أَوْ فَوْقَهُ إِنْ هوَ فرَّا

كانَ فِي الْخيْلِ أَبُوهُ مُعْرِباً … بَيِّناً نِسْبَتُه وَالأُمُّ حِجْرَا

رَحْبَ شِدْقٍ لاَ هِزاً مَاضِغهُ … لاحِبَ المَتْنِ اسْتَوَى خَلْقاً وأَسْرَا

مُشْرِفَ الْعُنْقِ ضَلِيعاً هَيْكلاً … لمْ يُبَالِغْ فِيهِ مَنْ سَمَّاهُ غمْرَا

طالَمَا اسْتعْصى عَلى مُلْجِمِهِ … فِي الصِّبَا ثمَّ عَلى الأَيَّامِ قرَّا

وَبَدَا فِيهِ وَقارٌ بَعْدَ أَنْ … كانَ خَفَّاقاً إِذَا حُمِّلَ وِقْرَا

رِيض لِلطَّاغِي وَأَوْهَى عَزْمَهُ … كِبَرُ السِّنِّ فمَا يَسْطِعُ كِبْرَا

وغَدَا فِي ظَنِّ مَوْلاُه بِهِ … دَمِثاً لاَ خوْفَ مِنْ أَنْ يَحْذئِرَّا

دَانِياً حَاجِبُهُ مِنْ وَقْبِهِ … لَيِّناً جَانِبُهُ عُسْراً وَيُسْرَا

مُذْعِناً يَصْلُحُ لِلإِقْرَارِ فِي … مَجْلِسِ الأَشْيَاخِ مَحْمُوداً مَقَرَّا

فَلِهَذَا اخْتَارهُ صِنْواً لَهُمْ … وَهْوَ لاَ يَحْسَبُهُ أَحدثَ كُفْرَا

لمْ يَكَدْ يَأْمُرُ حَتَّى استبَقَتْ … زُمَرٌ تَهْتِفُ فِي النَّدْوَةِ بُشْرَى

بشَّرُوا الأَعْيَان بِالنِّدِّ الَّذِي … صدَرَ الأَمْرُ بِهِ قُدِّسَ أَمْرَا

ثُمَّ وَافى بِالجوادِ المُجْتَبَى … سَاسَةٌ قَدْ أَلْبِسُوا خَزّاً وَشَذْرَا

فَدَنا مُسْتأْنِساً لِكنَّهُ … مُوشِكٌ لِلرَّيْبِ أَنْ يَبْعُدَ نَفْرَا

ناشِقاً مَا حَوْلَهُ مُلْتَفِتاً … فِعْلَ مَنْ أَوْجَسَ كَيْداً فَاقْشَعَرَّا

سَاكِناً آناً وَآناً نَزِقاً … يَفْحصُ المَوْقِفَ أَوْ يَهْمُرُ هَمْرَا

مُرْخِياً عُذْراً طِوَالاً كَرُمَتْ … عِنْدَ مَنْ لا يُرْسِلُونَ الْعُذْرَ عُذْرَا

بَيْنَمَا يُسْبِلُ أَذُنيْهِ وَقَدْ … جَحَظتْ عَينَاهُ إِذْ يَرنُو مُصِرَّا

أَوْشَكُوا أَنْ يحْزَنُوا ثُمَّ بَدَا … فَإِذا مَا ظُن مِنْ حُزْنٍ تَسَرَّى

وَانْبَرَى مِنْ فوْرِهِ أَرْغَبُهُمْ … فِي رِضَى الْغَاشِمِ يسْتَرْضِي الطِّمِرَّا

زَاعِماً مَوْلاهُ يَبْلُو وُدَّهُمْ … بِالَّذِي أَهْدَى وَلا يُضْمِرُ حَقْرَا

وَأَتَمَّ الأُنْسَ داعُونَ دَعَوْا … لِلجَوَادِ الشَّيْخِ أَجْلِلْ بِكَ مُهْرَا

لمْ يَكُنْ مُهْراً وَكَمْ مِنْ فِرْيَةٍ … بُذِلَتْ فِي خِطْبَةٍ لِلوُدِّ مَهْرَا

يَا لَهُ طِرْفاً بَنى الْحَظُّ لهُ … فِي بنِي أَعْوَجَ عِزّاً وَسِبَطرَى

دَارَتِ الْجَلْسَةُ فِي حَضْرَتِهِ … فَأَدَارَ الذَّيْلَ فِي جَنْبَيهِ خَطْرَا

وَلَهُ سَامِعَتَا مَنْ لَمْ يَثِقْ … وَلَهُ بَاصِرَتا مَنْ قَلَّ مَكْرَا

إِنْ أَطَالُوا جَدَّ رَفْساً وَإِذَا … أَقْصروا حَمْحَمَ تَأْنِيباً وَزَجْرَا

وَإِذا حَرَّكَ رَأْساً أَكْبَرُوا … وَحْيَهُ لِلّهِ ذَاكَ الْوَحْيُ دَرَّا

كَانَ إِمْراً شَأْنُهُمُ مِنْ جَهْلِهِمْ … وَقدِيماً كَانَ شَأْنُ الْجَهْلِ إِمْرَا

عَظَّمُوا طِرفاً وَقَبْلاً عَبَدَتْ … أُمَمٌ مِنْ جَهْلِهَا ثَوْراً وَهِرَّا

ذَاك إِبْدَاعُ قَلِيقُولاَ فهَلْ … دُونَهُ نَيرُونَ فِي الإِبْدَاعِ حِجْرَا

سَنَرَى إِنْ هُوَ لمْ يَضْرَ بِهِ … مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ الْقَوْمُ لِيَضْرَى

لا سَقَاك الْغَيْثُ يَا جَهْلُ فكَمْ … سُقِيَتْ فِي كَأْسِكَ الأَقْوَامُ مُرَّا

أَنْتَ أَغْرَيْتَ بِظُلْمٍ كُلَّ ذِي … صَوْلَةٍ غَيْرَ مُبَالٍ أَنْ يُعَرَّا

وَسِعَتْ أُمُّ الْقُرَى ذَاكَ الّذي … عَقَّهَا حَمْداً كَمَا لَوْ كَانَ بَرَّا

إِن يُكَلِّمْهُ الأَعَزُّونَ بِهَا … فَامْتِدَاحاً أَوْ يُكَلِّمْهُمْ فَهُجْرَا

فمَضَى فِي غَيِّهِ وَاسْترْسَلَتْ … فِي مَجَالِ الذُّلِّ تَحْبِيذاً وَشُكْرَا

أَلَّهَتْهُ أَوْهَمَتْهُ أَنَّهُ … مَالِكُ الضُّرِّ مَنِيعٌ أَنْ يُضَرَّا

فإِذَا أَوْضَعَ فِي تَفْظِيعِهِ … بَرَّأَتْهُ آبِياً أَنْ يَتَبَرَّا

بَلَغَ التَّمِليقُ مِنْهَا أَنَّهَا … كُلَّمَا أَزْرَى بِهَا شَدَّتْهُ أَزْرَا

كُلَّ يَوْمٍ يَدَّعِي فنّاً فمَا … هُوَ إِلاَّ أَنْ نَوَى حَتَّى أَقِرَّا

قالَ بِي حُسْنٌ فَقَالَتْ وَبِهِ … يَا فَقِيدَ الشِّبْهِ فُقْتَ النَّاسَ طُرَّا

فَتَرَقَّى قالَ إِنِّي مُطْرِبٌ … فَأَجَابَتْ وَتُعِيدُ الصَّحْوَ سُكْرَا

فتَمَادَى قَالَ فِي التَّصْوِيرِ لِي … غُرَرٌ قَالَتْ وَتُؤْتِي الرَّسْمَ عُمْرَا

فتَغالى قَالَ فِي التَّمْثِيلِ لا … شِبهَ لِي قالَتْ وَيُحْيِي المَيْتَ نَشْرا

فَتَنَاهَى قَالَ إِنِّي شَاعِرٌ … فَأَجَابَتْ إِنَّمَا تَنْظِمُ دُرَّا

فعَرتْهُ جِنَّةٌ زَانَتْ لَهُ … خُطَّةٌ أَدْهَى عَلى المُلْكِ وَأَزْرَى

أَزْمَعَ الرِّحلَةَ فِي مَوْكِبِهِ … جَاشِماً شُقَّتَهَا بَحْراً وَبَرَّا

مُوِلياً شطْرَ أَثِينا وَجْهَهُ … إِنَّهُ كَانَ لأَهْلِ الْفَنِّ شَطْرَا

يَتَوخَّى قَوْلَهَا فِي حَقِّهِ … إِنَّهُ أَصْبَحَ فِي التَّمْثِيلِ نِحْرَا

وَكَفى مَنْ شهِدَتْ يَوْماً لَهُ … شُهرَةً تُولِيهِ فِي الأَقْطَارِ زَخْرَا

فَمَضَى فِي أَيِّ حَشْدٍ حاشِدٍ … يَدَعُ الرَّحْبَ مِنَ السَّاحَاتِ ضَجْرَا

بَعْدَ أَن أَوْفَدَ رُسْلاً كُلِّفُوا … فِي أَثِينا دَعْوَةَ النَّاسِ وَسَفرَا

يَبْتَغِي إِشْهَادَهَا فِي مَحْفِلٍ … حُسْنَهُ الطَّالِعَ فِي الظَّلْمَاءِ بَدْرَا

مُسْمِعاً سُمَّارَهَا مِزهَرَهُ … عَارِضاً تَمْثِيلَهُ بَطْناً وَظَهْرَا

إِيْ وَآياتِ أَثِينا كَانَ مِنْ … شَأْنِهَا أَنْ تمْنَحَ الأَخْطَارَ دَهْرَا

ذَاك إِذْ كانتْ هِيَ الدَّارَ وَإِذ … كَانتِ الدُّنْيَا لِتِلكَ الدَّارِ قُطْرَا

إِنَّمَا أَمْسَتْ أَثِينَا عَمَلاً … داخِلاً فِي دَوْلةِ الرُّومانِ قَسْرَا

فَإِذَا مَا أُلْفِيَتْ شَارِيَةً … بَعْضَ أَمْنٍ بِالثَّنَاءِ الزُّورِ يُشْرَى

أَو بَدَتْ سَاخِرَةً مِنْ نَفْسِهَا … تُطْرِيءُ الْجَهْلَ وَمَا كانَ لِيُطْرَا

فكَذَاكَ الرِّقُّ يُدْنِي مِنْ عُلىً … وَيُعِيدُ الأُمَّةَ الْحُرَّةَ عُرى

ذاك تأْوِيلُ الْحَفاوَاتِ الَّتِي … وَهَبَتْهَا القَيْصَرَ المُمْتاحَ فَخْرَا

فَقَضَى مَأْربَهُ ثُمَّ انْثنَى … بِرِضَى مَنْ فعَلَ الفِعْلَة بِكْرَا

ليْسَ آفُلُونُ لَوْ نَاظَرَهُ … بِمُصِيبٍ مِنْهُ غَيْرَ اللَّمْحِ شَزْرَا

عَادَ بِاليُمْنِ وَكُلٌّ مُضْمِرٌ … حَزَناً لَكِنَّهُ يُظْهِرُ سُرَّا

فتَلقَّاهُ بِرُومَا أَهْلُهَا … كَتَلَقِّي فَاتِحٍ فَتْحاً أَغرَّا

قَيْصَرُ الأَكْبَرُ لمْ يُحْفَلْ لَه … هَكَذا إِذْ دَوَّخَ الدُّنْيَا وَكرَّا

نَصَبُوا الأَبْوَابَ إِكْبَاراً لَه … وَأَحَاطوا رَكْبَهُ بِالْجَيْشِ مَجْرَا

وَأَقَامُوا زِينةً جُنحَ الدُّجَى … جَعَلَت رُومَا سَمَاوَاتٍ وَزُهْرَا

زِينَةٌ مَا شهِدَ الْخَلْقُ لهَا … قبْلَ ذَاكَ الْعَهدِ شِبْهاً يُتَحَرَّى

خَلَبَتْهُ وَاسْتَفَزَّتْ رَوْعَه … فَطوَى اللَّيْلَ وَقَدْ أَضْمَرَ أَمْرَا

لَيُجِدَّنَّ بِهَا مُعْجِزَةً … تُرْهِبُ الأَعْقابَ مَا النَّجْمُ ازْمهَرَّا

جَامِعاً فِيهَا الأَفانِينَ الَّتِي … يَدَّعِي إِتْقَانَهَا عِلْماً وَخُبْرَا

مُخِرجاً أَشْجَى سَمَاعٍ لِلوَرَى … مِنْ لَهِيبٍ يَسْدَرُ الأَبْصارَ سَدْرَا

مُغْرِباً حُسْناً وَفِي مَذْهَبِهِ … أَنَّ خيْرَ الحُسْنِ مَا يُفْعَمُ شَرَّا

فتقُومُ الزِّينةُ الكُبْرى بِمَا … بَعدَهُ لا تُذْكَرُ الزِّيناتُ صُغرَا

فازَ نَيْرُونُ بِأَقْصى مَا اشْتهَى … مُحْرِقاً رُومَا لِيَسْتَبْدِعَ فِكْرَا

بَعْدَ أَنْ حَصَّلَ فِي تمْثِيلِهِ … ما بِهِ أَصْبَحَ فِي التَّمْثِيلِ شَهْرَا

شُبَّتِ النَّارُ بِهَا لَيلاً وَقَدْ … رَقَدَتْ أَمَّتُهَا وَسْنى وسَكْرَى

شُعْلَةٌ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ نَهَضَتْ … وَمَشَتْ دَفّاً وَإِحْضاراً وَعَبْرَا

زَحَفتْ رَابِيَةٌ مُضْرَمَةٌ … تلْتَقِيهَا فِي عِناقِ الوَهْجِ أَخْرَى

جَمَعَتْ أَقْسَامَ رُوما كُلَّهَا … فِي جَحِيمٍ تَصْهَرُ الأَجْسَامَ صَهْرَا

فالمَبَانِي تتهَاوَى وَالجُذَى … تترَامَى وَالدُّمَى تَنقَضُّ جَمْرَا

وَالأَنَاسِيُّ حَيَارى ذُهلٌ … غامَرُوا هَولاً وَسَاءَ الهَولُ غَمْرَا

خُوَّضٌ فِي الوَقْدِ إِلاَّ نَفَراً … تَخِذوا الأَشْلاءَ فَوقَ الوَقْدِ جِسْرَا

وَالضَّوَارِي انْطلَقَتْ لاَ تَأْتَلِي … مَا الْتَقَتْ عَضّاً وَتمزِيقاً وَكسْرا

هَجَمَتْ لِلفَتكِ ثُمَّ انهَزَمَتْ … فَزِعَاتٍ سَارِيَاتٍ كُل مَسْرى

كثُرَ اللَّحْمُ شِوَاءً حَوْلهَا … وَتَأَبَّتْ بَعْدَ جَهْدِ الصَّوْمِ فِطْرا

تَتهَادَى مُهَرَاقاً دَمُهَا … وَبِهَا ضَعْضَعَةُ النَّازِفِ خَمْرَا

دَفَقَ التِّبْرُ ضِيَاءً وَدَماً … مُسْتَفِيضَ اللّجِّ ياقُوتاً وَتِبْرَا

كانَ بِالأَمْسِ كَمِرْآةٍ صَفَتْ … رُبَّمَا كَدَّرَهَا الطَّائِرُ نَقْرَا

تَلتَقِي فِيهَا صُرُوحٌ عَبَسَتْ … قَاتِمَاتٍ وَرُبىً تَبْسِمُ خُضْرا

فإِذا مَرَّتْ نُسيْمَات بِها … حطَّمتْهَا قِدَداً رُبْداً وَغُرَّا

حَبَّذَا عِندَئِذٍ مَنْظَرُهَا … مَنْظَراً وَالتِّبْرُ فِي الأَنهَارِ نَهْرَا

إِذْ تُرَى الأَمْواجُ فِيهِ أَعْرَضَتْ … مالِئاتٍ صَفحَاتِ المَاءِ سِحْرَا

كجَوارٍ سَابِحَاتٍ خُرَّدٍ … سَابِقاتٍ فِي تبَارِيهَا وَحَسْرَى

لاهِيَاتٍ مُغرِبَاتٍ ضَحِكاً … آمِناتٍ لَمَحَاتِ الرَّيْبِ طُهْرَا

أَرْسَلَ الْحُسْنُ عَلى أَكْتَافِهَا … مِنْ ضَفِيرِ الزَّبَدِ المُذْهَبِ شَعْرَا

كُلُ غيْدَاءَ رَدَاحٍ ناوَحَتْ … بِيدٍ عَبراً وَبِالأَخْمُصِ عَبْرَا

هِيَ نوْرُ الرَّوْضِ أَوْ أَزْهَى حُلىً … وَهْيَ غصْنُ الرَّنْدِ أَوْ أَرْشَقُ خَصْرَا

تارَة تبْدُو وَطَوْراً لا تُرَى … وَتَنَاهِي الظَّرْفِ إِذْ ترْفضُ ذرَّا

أَيْنَ تِلْك الْعِيْنُ هَلْ حَالَتْ إِلى … جِنَّةٍ وَارْتدَّ بَرْدُ المَاءِ سَعْرَا

أَصْبَحَتْ سُود سَعَالٍ سَاقَهَا … سَائِقٌ يُوسِعُهَا حَثّاً وَنَهرَا

فِي مُسوحٍ مِنْ قُتارٍ يُجْتلى … أُرْجُوَانٌ تَحتَهَا مِنْ حَيْثُ تُفْرى

عَاد صافِي اللَّونِ مِنهَا رَنِقاً … وَضَحُوكُ الْوَجْهِ مِنْهَا مُكفَهِرَّا

شَرَقَتْ لِماتُهَا أَصبِغَةً … وَرنَتْ أَعْيُنُهَا النَّجْلاءُ خُزرَا

صَارَ غِسلِيناً حَمِيماً غِسْلُهَا … كَاسِباً مِن حَرِّ مَا جاوَرَ حرَّا

أَيْ بناتِ المَاءِ غَبْنٌ بَيِّنٌ … أَنْ تُرَى سُوداً وَمَا أَبْهَاكِ شُقْرَا

ذَاكَ مَا أَحْدَثهُ الْبَغْيُ وَهلُ … أَدْرَكَ الصَّفْوَ فلَمْ يَرْدُدْهُ كدْرَا

قَامَ سُورٌ حَوْلَ رُومَا سَاطِعٌ … ناشِراً أَعْلامَهُ كَمْتاً وَصُفْرَا

تَحْتَ جَوٍّ مُلِئَتْ أَرْجَاؤُهُ … مِنْ تَلَظِّيهَا قَتَاماً مُسْبَكِرا

يَنْظُرُ الْغَاشِمُ فِي أَقْسَامِهَا … حِذْقهُ رَسْماً وَمُوسِيقى وَشِعْرَا

أَترَى تِلْك الأَعَارِيضَ الَّتِي … فُرِّقَّتْ أَبْيَاتُهَا شَطْراً فشطْرَا

أَتَرَى التَّرْصِيعَ فِي أَسْوَاقِهَا … بِالطُّلى سُحْماً وَبِالأَرْؤُسِ حُمْرَا

أَتَرَى التَّدْبِيجَ فِي أَلْوَانِهَا … مُعْقِباً مِنْ بِيضِهَا زُرْقاً وَعُفْرَا

أَتَرى الْخَالِدَ مِنْ أَطْلالِهَا … كيْفَ يُطْوَى بَعْدَ أَنْ يُنْشَرَ نَشْرا

أَتَرَى الْوَرْيَ بِلا توْرِيَةٍ … نَاسِخاً تارِيخَهَا عَصْراً فعَصْرَا

كَمْ مَقامٍ عَطِلَتْ زِينتُهُ … زانَه فِي الْعَيْنِ أَنْ يُصْبِح إِثْرَا

كمْ كِتَابٍ بَرَزت أَحْرُفُهُ … سَاطِعَاتٍ وَلِسَانُ النارِ يَقْرَا

كلُّ قصْرٍ مُتَدَاعٍ شَيَّدَتْ … بَعْدَهُ هَازِئَةُ الأَنْوَارِ قَصْرَا

كُلُّ بُرْجٍ مُترَامٍ حَفَرَتْ … بَعدَهُ فِي عُمُقِ الظَّلْمَاءِ بِئْرَا

كلُّ كِتْرٍ فِي المَبَانِي رَفَعَتْ … فوْقَه سُخْرِيَة الشَّعْلولِ كِتْرَا

هَوَتِ الْعِقبَانُ عَنْ أَنْصَابِهَا … وَغذا مِنْهَا اللَّظى رُخّاً وَنَسْرَا

وتَرَامَتْ شُعَلٌ طائِرةٌ … قد تَرَى عُصْفُورَهَا يَصْطَادُ صَقْرا

وَترَى مِنْهَا فرَاشاً نَاحِلاً … يَضْرِبُ الْبَاشِقَ أَوْ يَهْدِمُ وَكْرَا

وترَى مِنْهَا هُلاماً بَشِعاً … غائِلاً فَرْخاً وَلا يَرْحَمُ ظِئْرَا

وَيْحَ رُوما تَزْدَهِي ذَاكِيَةً … وَعُيونُ الليْلِ بِالرحْمَةِ شَكْرَى

لَمْ يَجِدْ نَيْرُون أَبْهَى فَلجاً … مِنْ تشَظِّيها وَلا أَعْذبَ ثَغْرَا

لا وَلَمْ يُفْعِمْهُ بِشْراً حَدَثٌ … كالَّذِي أَفْعَمَهُ إِذْ ذَاك بِشْرَا

غَايَةُ الإِضْحَاكِ مَا أَلْفَاهُ مِن … فَزَعِ الصَّالِينَ يَبْغُونَ مَفَرَّا

وَالإِشارَاتِ الَّتِي يُبْدُونَهَا … فِي تَعَادِيهِمْ إِلى يُمْنى وَيسْرَى

كِرعَالِ الجِنِّ رَقْصاً فِي اللَّظَى … وَالمَجَانِينِ مُنَابَاةً وَهُتْرَا

رُبَّ عَارٍ بِقروحٍ يَكْتَسِي … وَبتولٍ تحْتَ سِتْرِ الْوِهْجِ تَعْرِى

وَهَزِيمٍ وَثبَتْ أَعْينُهُ … وَضرِيرٍ مُتلَوٍّ حَيْثُ قرَّا

ونَحِيفٍ بَاتَ ظِلاًّ وَاجِفاً … وَضَلِيعٍ مَاتَ تَحْتَ الرَّدْمِ هطْرَا

فِتَنُ النَّارِ إِذَا مَا أَذْهَبَتْ … فِي أَفَانِينِ الأَذى يَأْبَيْنَ حَصْرَا

وَمِنَ المُمْتِعِ فَوْقَ المُشْتهى … بِدَع جَاءَ بِهَا التنْوِيعُ تَتْرَى

هَذِهِ قنْطرَةٌ شاهِقَةٌ … غارَ مِنْهَا جَانِبٌ فِي المَاءِ طَمْرَا

ذَاكَ صَرْحٌ جُرِّدَتْ أَطْلالُهُ … مِنْ حُلِيٍّ كُن مِلْءَ الْعَيْنِ سَبْرَا

تِلْك مِنْ عَهْدٍ عَهِيدٍ دَوْحَةٌ … ظلَّ يَسْقِيهَا سَحَابُ الْعَفْوِ ثَرا

عَقدَتْ أَغْصَانُهَا تَاجَ سَنى … وَخَبَتْ بَيْنَ مُدَلاَّةٍ وَكسْرَى

ثمَّ حَولْ وِجهَةَ الطرْفِ تجِدْ … صُوَراً أَسْوَغ فِيِ النَّفْسِ وَأَمْرَى

نِمَرٌ مِنَ فرْطِ مَا حَاقَ بِهِ … دَارَ آناً فِي مَدَارٍ ثمَّ خَرَّا

سَالَ مِنْ فَكَّيْهِ دَامِي زَبَد … حِيْنَ مسَّ الأَرْضَ نَشتْ مِنُهُ حَرَّى

فَهْدُ غَابٍ كُسِرَتْ شِرَّتُهُ … صَارَ كالهِرِّ وَمَا يُرْهِبُ فأْرا

وَعِلٌ مِنْ شِدَّةِ البَرْحِ ارْتَمَى … بِبَقايَا رَوْقِهِ يَنْطَحُ صَخْرَا

وَرَلٌ أَفْلَتَ مِنْ جُحْرٍ فَلَمْ … يُلْفِ مِنْ شَيءٍ سِوَى الرَّمضَاءِ جُحْرا

قُنْفُذٌ أَوْقَد مِن أَشْوَاكِهِ … شِكَّةً لاحَتْ بِهَا الأَلْوَانُ كُثْرَا

عَقْرَبٌ شَالتْ زُبَانَى رَأْسِهَا … وَالذّنابَى عَجِلَتْ خلْجاً وَأَبْرَا

شِبْهُ بَرْقٍ لاحَ لِلطَّرْفِ وَلَم … يَكُ إِلا أَفْعُواناً مُسْجَهِرَّا

صُوَرٌ لَمْ يُدْرَ آيَاتُ سَنىً … أَمْ خِشَاشٌ حَيَّةٌ تُسْجَرُ سَجْرَا

وَسِوَى ذِلك كَمْ مِنْ منْظرٍ … لابَسَ الوَهْمُ بِهِ الحَقَّ فغَرَّا

كمْ مَهَاةٍ مِنْ دُخَانٍ أُلْفِيَتْ … وَهْيَ تَسْتعْدِي عَلى فِيلٍ هِزَبْرا

كَمْ سَبَنْتَى حَنِقٍ أَقْرَضَهُ … ضَرَمٌ ناباً بِهِ يَسْطو وَظُفْرَا

كَمْ غُرَابٍ قَدْ تبَدَّى وَاقِعاً … كشِهَابٍ وَتَرَدَّى مُصْمَقِرَّا

كَمْ عُقَابٍ دَرَجَتْ فَانْضرَجَتْ … بَغْتَةً تقْتَنِصُ البَازِيَ حُرَّا

كمْ سَحابٍ مِنْ هَبَاءٍ سَاطِعٍ … أَشْبَهَ المُزْنةَ إِيمَاضاً وَقَطْرَا

رُؤْيَةٌ أَرَبَتْ عَلى الرُّؤْيَا بِما … لَمْ يَكُنْ يَوْماً بِظَنٍّ لِيَمُرَّا

دَارَ فِيهَا طَرَبٌ مخْتِلفٌ … تَارِكٌ فِي مَسْمَعِ الأَحْقَاب وَقْرَا

تَرْكُضُ الأُمُّ تُغَنِّي هَلعاً … وَبَنُوها حَوْلهَا يَبكون ذُعْرَا

وَيَهدَّ الكهْلُ هَدَّ الفَحْلِ فِي … غَرَقٍ وَالوَقْدُ لاَ يَأْلُوهُ هَدْرَا

كَادَ رَحْبُ الجَوِّ مِنْ حَشْرَجَةٍ … وَحَوَافِيهِ الرُّبَى يُشْبِهُ قِدْرَا

فِي اخْتِلاطٍ مُرْهِقٍ سُمَّاعَهُ … وَاخْتِلالٍ مُزْهِقٍ حَشْداً وَحَشْرا

سَرَحَاتٌ قُصِفَتْ مُحْضَأَةً … بَيْنَ مَنْكُوسَةِ إِكْلِيلٍ وَعَقْرَى

رُجْبَةٌ مِنْ عَوْسجٍ مُحْتَدِمٍ … فَنِيَتْ ضَرْبَينِ لأْلاءً ووَغْرَا

ضَبُعٌ تَعْوِي وَذِئْبٌ ضَابِحٌ … وَصَدىً يَزْقُو مَهِيجاً مُزْبَئِرَّا

ضَيْغمٌ مِنْ سَوْرَةِ الحُمَّى وَمِنْ … ثوْرَةِ الحَمْيِ بِهِ يَزْأَرُ زَأْرَا

طَالَمَا زَمْجَرَ يَشْكُو أَسْرَه … فَهْوَ يَشْكو أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ أَسْرَا

ثَعْلَبٌ يَضْغُو وَفهْدٌ ضَاغِبٌ … وَغُرَابٌ نَاغِبٌ عَشْراً فَعَشْرَا

وِمنَ الأَكْلُبِ حَامِي بِرْكةٍ … مُسَّ بَعْدَ القَر بِالحَر فهَرَّا

مَا سَمُومٌ نفَخَتْهَا سَقَرٌ … نَتْسِفُ الدَّوْحَ وَتُذْوِي العُشْبَ صَقَرا

خافَتَتْ آناً وَآناً عَزَفَتْ … وَتوَالى هزقُهَا عَزْماً وَفتْرَا

عِنْدَمَا فِي مَارِجٍ مٍنْ لاِعجٍ … بَثَّهُ بَثّاً وَقَدْ ضُوِيقَ حَصْرَا

مَا اصْطِخَابُ اللَّجِّ فِي حَيْرَتِهِ … بَيْنَ تيَّارٍ وَدُرْدُورٍ وَمَجْرَى

كَاصْطِخَابٍ مِنْ وَطِيسٍ هَادِمٍ … لمْ يَصُنْ تاجاً وَلمْ يسْتَشْنِ جِذْرَا

ذَاكَ يَا نَيرُونُ لَحْنٌ زَادهُ … طرَباً مِزْهَرُكَ الرَّائِعُ نَبْرَا

جَمَعَ الضِّديْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا … فِي مَزَاجٍ يَفْطُرُ الأَكْبَادَ فطْرَا

بَيْنَ أَصْوَاتٍ عَلى نُكْرَتِهَا … جُعِلَتْ وَفْقَهُمَا خَفْضاً وَجَهْرَا

هَيكَلٌ يَسْقُطُ فِي قَعْقعة … وَذمَاءٌ مِنْ حَشىً يَصْعدُ زَفْرَا

هَكذَا التصْويرُ أَحْيَا مَا يُرَى … هَكَذا التَّطْرِيبُ مَوْتاً أَوْ حَرَّا

هَزَّ بِالإِيقاعِ أَفْلاكاً وَلَمْ … يَصْحَبِ العُودُ بِهِ طَبْلاً وَزَمْرَا

هَكذا الشِّعْرُ بِلا قافِيَةٍ … خَفَّ وَزْناً وَجَرَى بِالدَّمِ بَحْرَا

عَظمتْ فِتْنَتُهُ مِنْ فَرْطِ مَا … رَقَّ فَالناسُ أَرِقَّاءٌ وَأَسْرَى

لا كِنايَاتٌ وَلا تَوْرِيَةٌ … إِنَّمَا العَاجِزُ مَنْ كَنَّى وَوَرَّى

مَن كنيْرُونَ أَتى بِالرَّسْمِ لَمْ … يَستعِرْ صِبْغاً لهُ أَوْ يُجْرِ حِبْرَا

مُثْبِتاً فِي لَيْلةٍ مُبْصِرَةٍ … آيَةً يَمْحُو بِهَا قَوْماً ومِصْرَا

بَيْنمَا تَنْظُرُ رَبْعاً أَهْلُهُ … مِلْءُ هَذا الكَوْنِ إِذْ تُلْفِيهِ صِفْرَا

يَا لهَا غُرٍّ فنونٍ بَهَرَتْ … ظُرَفاءَ الوَقتِ بِالإِبْدَاعِ بَهْرَا

أَيْنَ مِنْها شأْنُ مُفْنِي عُمْرِهِ … يَتقرَّى الخَلْقَ أَوْ يَقْرَأُ سِفْرَا

لِيَرَاهُ بَعْدَ جُهْد مُحْسِناً … إِنْ شدا أَوْ مُتْقِناً إِن خطَّ سَطرَا

دُمِّرَت حَاضِرَة الدَّنْيَا وَلَمْ … يجِدِ النَّاجُونَ فِي ذِلكَ نُكْرَا

أَوْشكُوا أَنْ يُجْمِعُوا رَأْياً عَلى … أَنَّ فِي الَغْيبِ لِذاكَ الهَوْلِ سِرَّا

لَسْتُ مَحْزُوناً عَلى القَوْمِ وَهَلْ … كِبدٌ تلقى على الأَنْذالِ حَرَّى

غيْرَ أَنِّي لِيْ عَلى إِبْدَاعِهِ … عَتْبَ فنٍّ وَهْوَ بِالإِبْدَاعِ أَدْرَى

فَلقَدْ أَغرَقَ فِي إِيقَاعِهِ … وَغَلا رَسماً وَزاد النّظم نثرا

ولعلّ الهفوة الأخرى له … أنّه لَمْ يَعْتَدِلْ نَقْشاً وَحَفْرَا

ذاكَ هَمِّي ليْسَ هَمِّي بَلَداً … بَادَ خَنْقاً أَوْ تَوَى حَرْقاً وَثَبْرَا

مَا عَلَيْنَا مِنْ غِريمٍ غارِمٍ … إِنَّ أَزْرَى الخلْقِ شَعْبٌ مَاتَ صَبْرَا

لَيْسَ بِالْكُفْؤِ لِعَيْشٍ طَيِّبٍ … كلُّ مَنْ شَقَّ عَليْهِ العَيْشَ حُرَّا

إِنَّ رومَا جَعَلَتْ نيرْونَهَا … وَهْوَ شَرُّ القوْمِ مِمَّا كَانَ شَرَّا

بَلَّغَتهُ المُلْكَ عَفْواً فبَغَى … كُلُّ مُلْكٍ جَاءَ عَفْواً رَاحَ هَدرَا

يَقدُرُ الشيءَ مُعَانِي كَسْبِهِ … فَإِذَا مَا هَانَ كَسْباً هَانَ خسْرَا

عَاثَ فِيهَا مُسْتَبِدًّا مُسْرِفاً … دَائِبَ الإِجْرَامِ عَوَّاداً مُصِرَّا

وَهْوَ لاَ يَمْنَحُهْا مِنْ بَالِهِ … غيْرَ هَمِّ الخطَرِ المَكسُوبِ قَمْرا

لَيْسَ فِي تشْنِيعِهِ مِنْ بِدْعَةٍ … إِنَّ لِلخامِلِ عِنْدَ الذكرِ ثأْرَا

لا وَلا فِي ظُلْمِهِ مِنْ عَجَبٍ … إِن لِلظَّالِمِ عِنْدَ العَدْلِ وِتْرَا

بِمَ غرَّ القوْمَ حَتَّى غفَرُوا … ذلِكَ الذَّنْبِ لَهُ مَا شاءَ غفْرَا

بَلْ قَضوْا أَنْ يَمْنَحُوهُ حَمْدَهُمْ … حَيْثُ لا يَجْدُرُ أَنْ يُبْلغَ عُذْرَا

ذاك أَنْ أَتْهَمَ ظُلْماً مِنْهُمُ … مَعْشراً مسْتَضْعَفَ الجَانِبِ نَزْرا

فَرَمَى مِلَّةَ عِيسى بِالَّذِي … كان مِنْهُ مُلْحِقاً بِالوِزْرِ وِزْرَا

زاعِماً أَنَّ النَّصَارَى قارِفُو … ذنبِهِ مَا كان أَنآهُم وَأَبْرَا

وَالنَّصَارَى فِئةٌ يَوْمَئِذٍ … لمْ تكُنْ فِيهِمْ مِنَ المِعْشارِ عُشْرَا

مَا بِهَا حَوْلٌ وَلا طوْلٌ وَلا … تقْتنِي جَاهاً وَلا تمْلِكُ وَفْرَا

لا تبَالِي دُونَ مَنْ تعْبُدُهُ … جُهْدَ ما تُمْنى بِهِ خسْفاً وَعُسْرَا

دِينُهَا فِي فَجْرِهِ وَالسُّحْبُ قَدْ … تَحْجُبُ النُّورَ وَلا تَعْتاقُ فجْرَا

عَنَّ لِلْغاشِمِ أَنْ يُطْعِمَهَا … لِجِيَاعِ الوَحْشِ فِي المَلْعَبِ جَهْرَا

وَبِهَذا يَترَّضَّى شعْبَهُ … فرْطَ ما الشَّعْبُ بِذاكَ اللَّهْوِ مُغْرى

فيَظَلُّ البُطْل فِيهِ عَالِياً … وَيَظلُّ الحَقُّ عَنْهُ مُسْتَسِرَّا

أَمَرَ الطَّاغِي بِهَا فَاحْتشَدَتْ … فِي مَقَامٍ زاخِرٍ بِالخَلْقِ زخْرَا

وَرَمَاهُمْ بِالضَّوَارِي قَرِمَتْ … فارْتَمَتْ مَجْنُونةً وَثْباً وَجَأْرَا

فَتلقَّاهَا النَّصارَى وَهُمُ … لمْ يَضِقْ إِيمَانهُمْ بِالضَّيْمِ حَجْرَا

سُجِّدٌ شادُونَ سَامٍ طرفُهمْ … ضَاحِكْو الآمَالِ مَا الخَطْبُ اكْفهرَّا

بَرَبَرَتْ تِلْكَ الضوَارِي دُونَهُمْ … ثُمَّ شَدَّتْ وَهْيَ لا ترْحَمُ شَفرَا

هَشَمَتْ وَانْتهَشَتْ وافْتَرَسَتْ … مَا اشْتَهَتْ نَهْمَتُهَا عَلماً وَهَبْرَا

ثُمَّ كَلَّتْ شِبَعاً وَافْترَقَتْ … فِي الزوَايا تَتوَخَّى مُسْتَقَرَّا

سَكِرَ الأَشْهَادُ إِعْجَاباً بِهَا … وَهَوَتْ مَمْلُوءُةً بِالدَّمِ سُكْرَا

ذَاك مَا رَامَ بِهِ نَيرُونُ أَن … يَتلافى إِثْمُهْ الأَوَّلُ سَتْرَا

وَإِذا مَا أَسْعدَ الجَهْلُ غلا … آثِمٌ فِي الإِثْمِ لاَ يَرْهَبُ عَزْرَا

شِيمَةُ المُوغِلِ فِي إِجْرَامِهِ … كُلَّما ازْدَادَ انْطِلاقاً زادَ حُضْرَا

شادَ لِلإِلْهَاءِ ذاك المُنْتدَى … قبلَ أَنْ يَبْنِيَ لِلإِيوَاءِ جُدْرَا

وَالأولى زالتْ مَغانِيهِمْ بِمَا … شِيدَ لِلأَلْعَابِ مَحْبُورُونَ حَبْرَا

بِطءُ يَوْمٍ فِيهِ إِيدَاءٌ بِهِمْ … وهْوَ يَقضِي فِي بِناءِ اللَّهْوِ شهْرَا

خابَ مَنْ خالَ النصَارَى هَلكوا … حِينَ راحَ المَوْتُ فِيهِمْ مُستحِرَّا

فالَّذِي أَوْلدَهُ الفتْكُ بِهِمْ … أَنَّهُمْ قُلٌّ غدَوْا بِالقتْلِ كُثرَا

ثُمَّ أَضحَى مُلكُ رُومَا مُلْكهُمْ … وَمُوَلاَّهمْ على الأَحْبَارِ حَبْرا

هَكذا الفِكْرةُ مَنْ أَرْهَقهَا … كَمَنَت ثُمْ عَلَتْ وَثْباً فطفرَا

دَرَتِ الأُمةُ مَن ظالِمُهَا … كلَّمَا جَرَّ عَلَيْهَا الظُّلْمُ دَفْرَا

وَعَلى ذَاك تَغَابَتْ مَرَّة … بعْدَ أُخْرَى وَتَمَادَى مُسْتَشِرَّا

لَوْ أَرَادَ القِسْط لَم يَكْفُؤْ لَهُ … أَو تَصَدَّى لِلوَغى لَمْ يَحْمِ ثغْرَا

فاتَهُ فِي نَفْسِهِ السِّرُّ الَّذِي … يَمْنَحُ الدائِلَ مَجْداً مُسْتَمِرا

فَتوَخَّى الفخْرَ مِنْ سُخرِيَةٍ … مَثَّلَ الدهْرَ بِهَا هُزْءاً وَهَزْرَا

لاهِياً بِالناسِ قتالاً لِمَنْ … شَاءَ فَعَّالاًّ لِمَا اسْتَحْسَنَ جَبْرَا

لاعِباً حَتَّى إِذَا ضَاقَ بِهِ … مَلْعَبُ الدُّنْيَا تَخَطاهُ وَمرا

فقضَى حِينَ اقْتَضَى مُنتَحِراً … بِيَديْ مسْتأْجَرٍ أَوسِعَ بِرَّا

رَاكِباً مَتْنَ النَّوَى لمَّا نوَى … ضَارِباً بَيْنَ غَدٍ وَالامْسِ سِتْرَا

مُلَقِياً جِسْماً إِلى أَمِتهِ … خَشِيَتْ حِرْمَانَهُ دَفْناً وَقبْرَا

سَرَفاً فِي الذُّلِّ حَتَّى إِنهَا … لَمْ تَكُنْ تَدْرِي لِمَا تَفْعَلُ قَدْرا

مَنْ يَلُمْ نَيْرُونَ إِني لائِمُ … أُمَّةً لوْ كَهَرَتْهُ ارْتَدَّ كهْرَا

أُمَّةٌ لَوْ نَاهَضَتْهُ سَاعَةً … لانتهَى عَنْهَا وَشِيكاً وَاثْبَجَرَّا

فاز بِالأُولى عَليْها وَلَهُ … دُونَهَا مَعْذَرَةُ التَّارِيخِ أُخْرُى

كُلُّ قَوْمٍ خَالِقُو نَيْرُونِهِمُ … قَيْصَرٌ قِيلَ لَهُ أَمْ قِيلَ كِسْرَى