ذي المعالي فليعلون من تعالى – المتنبي

ذي المَعَالي فلْيَعْلُوَنْ مَن تَعَالى … هَكَذا هَكَذا وَإلاّ فَلا لا

شَرَفٌ يَنْطِحُ النّجومَ برَوْقَيْـ … ـهِ وَعِزٌّ يُقَلْقِلُ الأجْبَالا

حَالُ أعْدائِنَا عَظيمٌ وَسَيْفُ الـ … ـدّوْلَةِ ابنُ السّيوفِ أعظَمُ حالا

كُلّما أعْجَلُوا النّذيرَ مَسيراً … أعجَلَتْهُمْ جِيادُهُ الإعجَالا

فأتَتْهُمْ خَوَارِقَ الأرْضِ ما تحـ … ـمِلُ إلاّ الحَديدَ وَالأبْطالا

خَافِياتِ الألْوانِ قَدْ نَسَجَ النّقـ … ـعُ عَلَيْهَا بَرَاقِعاً وَجِلالا

حَالَفَتْهُ صُدُورُهَا وَالعَوَالي … لَتَخُوضَنّ دُونَهُ الأهْوَالا

وَلَتَمْضِنّ حَيثُ لا يَجِدُ الرّمـ … ـحُ مَداراً وَلا الحصانُ مَجَالا

لا ألُومُ ابنَ لاوُنٍ مَلِكَ الرّو … م وَإنْ كانَ ما تَمَنّى مُحَالاَ

أقْلَقَتْهُ بَنِيّةٌ بَينَ أُذْنَيْـ … ـهِ وَبَانٍ بَغَى السّماءَ فَنَالا

كُلّما رَامَ حَطّها اتّسَعَ البَنْـ … ـيُ فَغَطّى جَبينَهُ وَالقَذالا

يَجْمَعُ الرّومَ وَالصَّقالِبَ وَالبُلْـ … ـغَارَ فيهَا وَتَجْمَعُ الآجَالا

وَتُوافيهِمِ بها في القَنَا السُّمْـ … ـرِ كمَا وَافَتِ العِطاشُ الصِّلالا

قَصَدوا هَدْمَ سُورِهَا فَبَنَوْهُ … وَأتَوْا كَيْ يُقَصّرُوهُ فَطَالا

وَاستَجَرّوا مكايِدَ الحَرْبِ حتى … تَرَكُوها لهَا عَلَيْهِمْ وَبَالا

رُبّ أمْرٍ أتَاكَ لا تَحْمَدُ الفَعّـ … ـالَ فيهِ وَتَحْمَدُ الأفْعَالا

وَقِسِيٍّ رُمِيتَ عَنها فَرَدّتْ … في قُلُوبِ الرّماةِ عَنكَ النّصَالا

أخذوا الطُّرْقَ يَقطَعُونَ بها الرّسْـ … ـلَ فَكانَ انقِطاعُهَا إرْسَالا

وَهُمُ البَحْرُ ذو الغَوَارِبِ إلاّ … أنّهُ صَارَ عندَ بحرِكَ آلا

مَا مَضَوْا لم يُقاتِلُوكَ وَلَكِـ … ـنّ القِتالَ الذي كَفاكَ القِتَالا

وَالذي قَطّعَ الرّقابَ مِنَ الضّرْ … بِ بكَفّيْكَ قَطّعَ الآمَالا

وَالثّباتُ الذي أجادوا قَديماً … عَلّمَ الثّابِتِينَ ذا الإجْفَالا

نَزَلُوا في مَصَارِعٍ عَرَفُوهَا … (يَنْدُبُونَ الأعْمَامَ وَالأخْوَالا

تَحْمِلُ الرّيحُ بَيْنَهُمْ شَعَرَ الهَا … مِ وَتَذْرِي عَلَيهِمِ الأوْصَالا

تُنْذِرُ الجِسْمَ أنْ يَقُومَ لَدَيها … فتُريهِ لِكُلّ عُضْوٍ مِثَالا

أبْصَرُوا الطّعنَ في القلوبِ دِراكاً … قَبلَ أنْ يُبصِرُوا الرّماحَ خَيَالا

وَإذا حاوَلَتْ طِعانَكَ خَيْلٌ … أبْصَرتْ أذْرُعَ القَنَا أمْيَالا

بَسَطَ الرّعبُ في اليَمينِ يَميناً … فَتَوَلّوْا وَفي الشّمالِ شِمَالا

يَنفُضُ الرّوْعُ أيدياً ليسَ تدري … أسُيُوفاً حَمَلْنَ أمْ أغْلالا

وَوُجوهاً أخافَها مِنكَ وَجْهٌ … تَرَكَتْ حُسْنَهَا لَهُ وَالجَمَالا

وَالعِيانُ الجَليُّ يُحْدِثُ للظّـ … ـنّ زَوالاً وَللمُرادِ انْتِقالا

وَإذا ما خَلا الجَبَانُ بأرْضٍ … طَلَبَ الطّعْنَ وَحدَهُ وَالنّزَالا

أقْسَمُوا لا رَأوْكَ إلاّ بقَلْبٍ … طَالَما غَرّتِ العُيُونُ الرّجَالا

أيُّ عَيْنٍ تَأمّلَتْكَ فَلاقَتْـ … ـكَ وَطَرْفٍ رَنَا إلَيْكَ فَآلا

مَا يَشُكُّ اللّعِينُ في أخْذِكَ الجَيـ … ـشَ فَهَلْ يَبعَثُ الجُيوشَ نَوَالا

مَا لمَنْ يَنصِبُ الحَبَائِلَ في الأرْ … ضِ وَمَرْجاهُ أن يَصِيدَ الهِلالا

إنّ دونَ التي على الدّرْبِ وَالأحْـ … ـدَبِ وَالنّهْرِ مِخلَطاً مِزْيَالا

غَصَبَ الدّهْرَ وَالمُلُوكَ عَلَيْها … فَبَناهَا في وَجنَةِ الأرْضِ خَالا

فهيَ تمشي مَشْيَ العَرُوسِ اختِيالاً … وَتَثَنّى عَلى الزّمَانِ دَلالا

وَحَمَاهَا بكُلّ مُطّرِدِ الأكْـ … ـعُبِ جَوْرَ الزّمَانِ وَالأوْجَالا

وَظُبىً تَعْرِفُ الحَرامَ مِنَ الحِـ … ـلّ فَقَدْ أفنَتِ الدّمَاءَ حَلالا

في خَميسٍ مِنَ الأُسودِ بَئيسٍ … يَفْتَرِسْنَ النّفُوسَ وَالأمْوَالا

إنّمَا أنْفُسُ الأنِيسِ سِبَاعٌ … يَتَفَارَسْنَ جَهْرَةً وَاغْتِيالا

مَنْ أطاقَ التِماسَ شيءٍ غِلاباً … وَاغْتِصاباً لم يَلْتَمِسْهُ سُؤالا

كُلُّ غادٍ لحَاجَةٍ يَتَمَنّى … أنْ يكونَ الغَضَنْفَرَ الرّئْبَالا