دَعانِى إلى غَى ِّ الصِبا بَعدَ ما مَضى – محمود سامي البارودي
دَعانِى إلى غَى ِّ الصِبا بَعدَ ما مَضى … مَكانٌ كَفِردوسِ الجِنانِ أنيقُ
فَسِيحُ مَجَالِ الْعَيْنِ، أَمَّا غَدِيرُهُ … فَطَامٍ، وَأَمَّا غُصْنُهُ فَرَشِيقُ
كَسَا أَرْضَهُ ثَوْباً مِنَ الظِّلِّ بَاسِقٌ … مِنَ الأيكِ فِينانُ السَراة ِ وريقُ
سَمَتْ صُعُداً أَفْنَانُهُ، فَكَأَنَمَا … لَهَا عِنْدَ إِحْدَى النَّيِّرَاتِ عَشِيقُ
يَمَدُّ شُعاعُ الشمسِ فى حجراتِها … سَلاَسِلَ مِنْ نُورٍ لَهُنَّ بَرِيقُ
وَيَشْدُو بِهَا الْقُمْرِيُّ حَتَّى كَأَنَّهُ … أَخُو صَبْوَة ٍ، أَوْ دَبَّ فِيهِ رَحِيقُ
تَمُرُّ طُيُورُ الْمَاءِ فِيها عَصَائِباً … كَرَكبٍ عِجالٍ ضَمَّهُنَّ طَريقُ
إِذَا أَبْصَرَتْ زُرْقَ الْمَوَارِدِ رَفْرَفَتْ … عَليها : فَطافٍ فَوقَها ، وغَريقُ
غَدَوْنَا لَهُ وَالْفَجْرُ يَنْصَاحُ ضَوْؤُهُ … فَيَنْمُو، وَأَقْطَارُ الظَّلاَمِ تَضِيقُ
وللطَّيرِ فى مَهدِ الأراكَة ِ رَنَّة ٌ … ولِلطَّلِّ فى ثَغرِ الأقاحَة ِ ريقُ
مَلاعِبُ زانَتها الرِفاقُ ، ولَم يَكُن … لِيَحسُنَ لَهوٌ يَزِنهُ رَفيقُ
ومَنزِلُ أنسٍ قَدْ عَقدنا بِجوِّهِ … رَتائمَ لَهوٍ عَقدُهُنَّ وَثيقُ
جَمعنا بهِ الأشتاتَ مِنْ كُلِّ لَذَّة ٍ … وما كلُّ يَومٍ بِالسرورِ حَقيقُ
وَغَنَّى لَنَا شَادٍ أَغَنُّ مُقَرْطَقٌ … رَفِيقٌ بِجَسِّ الْمِلْهَيَاتِ لَبِيقُ
إِذَا مَدَّ مِنْ صَوْتٍ وَرَجَّعَ أَقْبَلَتْ … عَلينا وجوهُ العَيشِ وهوَ رَقيقُ
فيا حُسنَهُ مِن مَنزِلٍ لَم يَطُف بهِ … غَوِى ٌّ ، ولَم يَحلل حِماهُ لَصيقُ
جَعَلْنَاهُ تَارِيخاً لأَيَّامِ صَبْوَة ٍ … إِذَا ذُكِرَتْ مَسَّ الْقُلُوبَ حَرِيقُ
أقمنا بهِ يوماً طَليقاً ، وليلَة ً … دُجاها بِلألاءِ المُدامِ طَليقُ
فَلمَّا اتَّعدنا لِلرواحِ تَروَّعَتْ … قُلُوبُ النَّدَامَى ، وَالْمُحِبُّ شَفِيقُ
فَلِلَّهِ قَلبٌ بِالفِراقِ مُروَّعٌ … حَزينٌ ، وجَفنٌ بالدُموعِ شَريقُ
وقالَ لِى َ الخُلاَّنُ : صِف حُسنَ يومِنا … فَأَنْتَ بِنَجْدِيِّ الْكَلاَمِ خَلِيقُ
فَروَّيتُ شيئاً ، ثُمَّ جِئتُ بِمنطِقٍ … ذَكِى ٍّ يَفوقُ المِسكَ وهوَ فَتيقُ
وكيفَ يَغبُّ الفَولُ عَنِّى وفى فَمِى … لِسانٌ كَغَربِ المَشرَفِى ِّ ذَليقُ ؟