دارٌ بذي الأثلِ عَهدناها – حيدر بن سليمان الحلي
دارٌ بذي الأثلِ عَهدناها … ما أطيبَ العيشَ بمغناها
فاسأل بها أروى الغوادي حياً … وروِّح القلب بذكراها
دارٌ بها كانت لأهل الهوى … تهدي بناتُ الشوقَ حوراها
ناشئة ُ الظلِّ تُربّى بها … عواطِفُ الصبوة ِ أبناها
من كلِّ عُذري الهوى ، قلبهُ … يرفُّ مارفَّ عِذاراها
آه لاحشاء على رامة … قد ذهبت إلا بقاياها
رقَّت إلى أن بين أيدي الجوى … تساقطت ضعفاً شظاياها
أيام تستقطر من لّمتي … ماءَ الصِبا الغضِ عذاراها
ووفرتي منها بأيدي المها … طاقة َ ريحانٍ تهاداها
يا حبّذا الغيدُ ودارٌ بها … في ريِّق العُمر علقناها
جرّت بها ضمياء أردانَها … فأرَّجت بالطيب أرجاها
حيثُ نشاوى بكؤوس الهوى … أماتها الشوقُ وأحياها
وافت وعمر الدهر في ليلة ٍ … فينا هي العمرُ عددناها
رقّت لنا فيها حواشي الدُجى … لكن ببرقٍ من ثناياها
ولائم، والراحُ من خدِّها … تُديرهُ للسكر عيناها
قال عليكَ الوزرُ في نعتها … قلتُ وخُذ أنتَ مُهنّاها
لا ذمّ للوردة عِندي سوى … عادة دهرٍ ما تعدّاها
لمجُتنيها شوُكها والشذا … منها لمن لم يدرِ مُجناها
يا دهرُ ما أطربها ليلة ً … عن غفلة ٍ منك سرقناها
فيها عقدنا مجلساً للهنا … لا لكؤوسٍ نتعاطاها
ننشرُ للأَشواق ديباجة ً … من غزلٍ رقّ، نسجناها
ونسمة ُ الأسحار قد فاكهت … بطيب أنفاس نداماها
فاردُد عليها من أحاديثها … ما نقلتهُ عن خُزاماها
وحيِّها ناقلة ً قد روت … عن خُلُق المهديِّ ريّاها
تُسند ما ترويه عن عبقة ٍ … من شيبة الحمدِ انتشقناها
للفضل أربابٌ وكلٌّ له … مزيّة ٌ يسمو بعلياها
والفضلُ كلُّ الفضل في عصرنا … لجامعٍ كلَّ مزاياها
للخلف ابن الحسن القائم الـ … ـمهديّ أتقى الخلق أهداها
يا واحدَ الدهرِ بلا مُشبهٍ … تركتَ كلَّ الناسِ أشباها
علمُك إلهامٌ وكلُّ الورى … كسبٌ ومن بيتكَ وافاها
كم لكَ من عارفة ٍ حرَّة ٍ … ألسِنَة ُ الشكرِ أرِقَّاها
جودُكَ طوفانٌ وسفن الرجا … باسمك مَجراها ومَرساها
مكارمٌ مسموعُها في الندى … أعظمُ منهُ فيهِ مرآها
لو قيل للغيثِ انتسب للورى … مثلَك جوداً ما تعدَّاها
لا شَرِقَت في دمِ أوداجها … عيديّة ٌ حنت لمسعاها
وارتَبعت في كلِّ مطلولة ٍ … خمائل الروضِ بجرعاها
تَخضِمُ أما شِيحة ً أو إلى … بَشامة ٍ تدنو فترعاها
جزاء ما خفَّت بتلك التي … قد ثقّلت بالأجرِ مسراها
كريمة ُ الشيخ إمامِ الهدى … خير كريماتِ الهُدى جاها
لا بَل هي الكعبة ُ في سترِها … تنقُلها نحوَ مُصلاّها
قد قالَ إكباراً لها إذ مَشت … لا صَغَّرَ الرحمنُ ممشاها
لو أنَّ حواءَ رأت زُهدَها … والزهدُ من بعضِ سجاياها
ودَّت على كُثرِ بناتٍ لها … أن لم تلد منُهنَّ إلاّها
لم تعلقِ الآثامُ فيها ولا … بالتَبعاتِ اغبرَّ كفّاها
طهَّرها الرحمنُ عِلماً بها … وبالتُقى والنُسكِ زكاّها
نزَّهتِ العِصمة ُ أفعالها … وكانت العصمة ُ تقواها
لو قَسمت صالحَ أعمالِها … بينَ بني الدُنيا لأغناها
كلُّ أَلوفِ الخدرِ في خدرِها … لم تعرفِ التخدِيرَ لولاها
باهِ بها أمَّ نجومِ السما … وفاخرِ الشهبَ بأبناها
إذ هيَ أمُّ الكلماتِ التي … آدمُ مِن قبلُ تلقَّاها
قد أوشَجت أعراقها في العُلى … من فاطمٍ أعراقُ علياها
نَمَت غُصوناً كلُّها أثمرت … علماً به اللهُ توخاّها
عن مثلِها ما انشقَّ يوماً ثرى … نبوّة ٍ فاسأل سجاياها
من طينة ِ المجد إلى المرتضى … وجعفرٍ يَضرِب عِرقاها
للجعفريَّين ابتنت دارها … بيض المساعي فوقَ خضراها
هم أنجمُ الدينِ وسبحان مَن … في أُفقهِ للرشدِ أبداها
أُسرة ُ مجدٍ شَرَعٌ كلُّها … أطربَها المجد وأطراها
حسبُهمُ فخراً بأنَّ العُلى … آخرُهم فيه كأُولاها
كأنّما أخلاقُهم روضة ٌ … باكَرَها الطلُّ فندَّاها
تَعبِقُ في المجلسِ ألفاظُهم … كأَنَّ نشرَ المسكِ معناها
القومُ لُطفُ الله في أرضِه … من رحمة ِ للخلقِ أنشاها
قد بسطَ الجودُ أكفًّا لهم … عاشت بنو الدنيا بنعماها
أهلُ الوجوهِ الزُهرِ لو قابلوا … بنورِها الشُهب لأطفاها
أقِسمُ أنَّ الدهرَ أجفانهُ … ما فُتِحت إلاّ لمرآها
وسمعتهُ ما شُقَّ حتى يعي … شيئاً سوى حُسنِ مزاياها
من طينة ٍ بيضاءَ قدسيّة ٍ … صَلصَلَها اللهُ وصفّاها
والطينة السوداءُ من خُبثِها … هيهاتَ تبيَضُّ سجاياها
جَرت لسبقٍ فتساوت بهم … سوابقُ الفضلِ بمجراها
هم فيهِ كالأعينِ يُمناها … بالرمش لا يَسبقُ يسراها
والقبض والبَسط استوت فيهما … البنانُ صُغراها وكُبراها
فيا بَني الوحيِ وآل الهدى … جبالَه، والله أرساها
اليكمُوها مِن بناتِ الثنا … غَرّاءَ قد راقَ مُحيّاها
تستوهبُ الصفحَ لنا منكم … من عَثرة ٍ فيها استقلناها