داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي – خليل مطران

داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي … مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي

يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا … فِي الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ

قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى … وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ

وَالرُّوْحُ بيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ … فِي حَالَيَ التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ

وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ … كَدَرِي وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي

هَذَا الَّذِي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي … مِنْ أَضْلُعِي وَحَشَاشَتِي وَذَكَائِي

عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي … لَمْ يَجْدُرَا بِتَأَسُّفِي وَبُكَائِي

عُمْرَ الْفَتَى الْفَانِي وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ … بِبيَانِهِ لَوْلاَكِ في الأَحْيَاءِ

فغَدَوْتَ لَمْ أَنْعَمْ كَذِي جَهْلٍ وَلَمْ … أغْنَمْ كَذِي عَقْلٍ ضَمَانَ بَقَاءِ

يَا كَوْكَباً مَنْ يَهْتَدِي بِضِيائِهِ … يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ

يا مَوْرِداً يَسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ … ظَمَأً إِلى أَنْ يَهْلِكُوا بِظَمَاءِ

يَا زَهْرَةً تُحْيِي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا … وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بِلاَ إِرْعَاءِ

هَذا عِتَابُكِ غَيْرَ أَنِّيَ مُخْطِيءٌ … أَيُرَامُ سَعْدٌ فِي هَوَى حَسْنَاءِ

حَاشَاكِ بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْورَى … وَالْحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ

نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي … أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ

نِعْمَ الشَّفَاءُ إِذَا رَوِيْتُ بِرشْفَةٍ … مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاء

نِعْمَ الْحَيَاةُ إذا قضَيْتُ بِنَشْقَةٍ … مِنْ طِيبِ تِلكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ

إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى … فِي غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي

إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا … أَيُلَطَّف النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ

أَوْ يُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا … هَلْ مَسْكَةٌ فِي البُعْدِ للْحَوْبَاءِ

عَبَثٌ طَوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ … فِي عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاِسْتشْفَاءِ

مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِي مُتَفَرِّد … بِكَآبَتِي مُتَفَرِّدٌ بَعَنَائِي

شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَاطِرِي … فَيُجِيبُنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ

ثاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي … قَلْباً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ

يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي … وَيَفُتُّهَا كَالسُّقْمِ فِي أَعْضَائِي

وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ … كَمَداً كصَدْرِي سَاعَةَ الإِمْسَاءِ

تَغْشَى الْبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَّهَا … صَعِدَتْ إِلى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي

وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ … يُغْضِي عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ

يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ … للِمْسْتَهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي

أَوَلَيْسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِ وَصَرْعَةً … لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ

أَوَلَيْسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْعَثاً … للِشَّكِّ بَيْنَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ

أَوَلَيْسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً … وَإبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ

حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيداً لَهَا … وَيَكونَ شِبْهَ الْبَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ … وَالْقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ

وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي … كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي

وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْنِي يَسِيلُ مُشَعْشَعاً … بِسَنَى الشُّعَاعِ الْغَارِبِ المُتَرَائِي

وَالشَّمْسُ فِي شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ … فَوْقَ الْعَقِيقِ عَلى ذُرىً سَوْدَاءِ

مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّراً … وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ

فَكَأَنَّ آخِرَ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ … مُزِجَتْ بِآخِرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي

وَكأَنَّنِي آنَسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً … فَرَأَيْتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي