خَمِدَتْ لِفَضْلِ وِلادِكَ النّيرانُ، – صفي الدين الحلي

خَمِدَتْ لِفَضْلِ وِلادِكَ النّيرانُ، … وانشَقّ من فَرَحٍ بكَ الإيوانُ

وتزلزلَ النّادي، وأوجسَ خيفة ً … مِن هَولِ رؤياهُ أنوشِروانُ

فتأوّلَ الرؤيا سَطيحُ وبَشّرَتْ … بظُهورِكَ الرّهبانُ والكُهّانُ

وعليكَ إرميّا وشَعيا أثنَيا، … وهُما وحِزقيلٌ لفَضلِكَ دانُوا

بفضائلٍ شهدتْ بهنّ السحبُ والـ … ـتوراة ُ والإنجيلُ والفرقانُ

فوُضِعتَ للَّهِ المُهَيمِنِ ساجِداً، … واستبشرتْ بظهورِكَ الأكوانُ

متكملاً لم تنقطعْ لكَ سرة ٌ … شَرفاً، ولم يُطلَقْ علَيكَ خِتانُ

فرأتْ قصورُ الشّامِ آمنَة ً، وقد … وَضَعَتكَ لا تَخفى لها أركانُ

وأتتْ حليمة ُ وهي تنظرُ في ابنِها … سِرّاً تَحارُ لوَصفِهِ الأذهانُ

وغَدا ابنُ ذي يَزَنٍ ببَعثِكَ مُؤمِناً … سِرّاً ليَشهَدَ جَدَّكَ الدّيّانُ

شرحَ الإلهُ الصدرَ منكَ لأربعٍ، … فرأى المَلائكَ حَولَكَ الإخوانُ

وحبيتَ في خمسٍ بظلّ غمامة ٍ … لكَ في الهواجرِ جرمُها صيوانُ

ومَرَرتَ في سَبعٍ بدَيرٍ فانحَنَى … منهُ الجدارُ، وأسلمَ المطرانُ

وكَذاكَ في خَمسٍ وعشرينَ انثنى … نَسطورُ منكَ، وقَلبُهُ مَلآنُ

حتى كملتَ الأربعينَ، وأشرقتْ … شمسُ النبوة ِ، وانجلى التبيانُ

فرَمَتْ رجومُ النيراتِ رجيمَها، … وتَساقطتْ من خَوفِكَ الأوثانُ

والأرضُ فاحتْ بالسّلامِ عليكَ، والـ … ـأشجارُ، والأحجارُ، والكثبانُ

وأتَتْ مَفاتيحُ الكُنوزِ بأسرِها، … فنهاكَ عنها الزهدُ والعرفانُ

ونَظرتَ خلفَكَ كالإمامِ بخاتَمٍ … أضحَى لدَيهِ الشكُّ، وهوَ عِيانُ

وغدَتْ لكَ الأرضُ البسيطة ُ مَسجداً، … فالكلُّ منها للصلاة ِ مكانُ

ونُصِرْتَ بالرُّعبِ الشّديدِ على العِدى ، … ولكَ المَلائكُ في الوَغَى أعوانُ

وسعَى إليكَ فتى سلامَ مسلِّماً … طَوعاً، وجاءَ مُسَلِّماً سَلمانُ

وغدتْ تكلمُكَ الأباعرُ والظبا، … والضّبُّ والثّعبانُ والسِّرحانُ

والجِزعُ حَنّ إلى عُلاكَ مُسَلِّماً، … وببَطنِ كَفّكَ سَبّحَ الصّوّانُ

وهَوَى إلَيكَ العِذقُ ثمّ رَدَدتَهُ … في نَخلَة ٍ تُزهَى بهِ وتُزانُ

والدّوحَتانِ، وقد دَعوتَ، فأقبَلا … حتى تَلاقَتْ منهما الأغصانُ

وشكا إليكَ الجيشُ من ظمإِ بهِ، … فتَفَجّرَتْ بالماءِ منكَ بَنانُ

ورَدَدتَ عَينَ قَتادَة ٍ من بَعدِ ما … ذهبَتْ، فلَم يَنظُرْ بها إنسانُ

وحكَى ذِراعُ الشّاة ِ مُودَعَ سُمّه، … حتى كأنّ العُضوَ منهُ لِسانُ

وعَرَجتَ في ظَهرِ البُراقِ مُجاوِزَ الـ … ـسّبعِ الطباقِ كما يشا الرحمانُ

والبدرُ شقّ وأشرقتْ شمسُ الضّحى … بعدَ الغروبِ، وما بها نقصانُ

وفضيلة ٌ شهدَ الأنامُ بحقّها، … لايستطيعُ جحودَها إنسانُ

في الأرضِ ظِلّ اللَّهِ كنتَ، ولم يلُحْ … في الشّمسِ ظِلُّكَ إنْ حَواكَ مكانُ

نُسخَتْ بمَظهَرِكَ المَظاهرُ، بعدَما … نُسِختْ بملّة ِ دينِكَ الأديانُ

وعلى نُبُوّتِكَ المُعَظَّمِ قَدرُها، … قامَ الدليلُ، وأوضحَ البرهانُ

وبكَ استغاثَ الأنبياءُ جميعهمْ، … عندَ الشدائدِ، ربهمْ ليعانوا

أخذَ الإلهُ لكَ العهودَ عليهِمُ، … من قبلِ ما سمحتْ بكَ الأزمانُ

وبكَ استغاثَ اللهَ آدمق عندما … نُسِبَ الخِلافُ إليهِ والعِصيانُ

وبكَ التجا نوحٌ وقد ماجتْ بهِ … دُسْرُ السّفينَة ِ، إذْ طغَى الطّوفانُ

وبكَ اغتدى أيوبُ يسألُ ربَّهُ … كَشفَ البَلاءِ فزالَتِ الأحزانُ

وبكَ الخليلُ دعا الإلهَ، فلم يخفْ … نَمرودَ إذْ شُبّتْ له النّيرانُ

وبكَ اغتدى في السّجن يوسفُ سائلاً … رَبّ العِبادِ، وقَلبُهُ حَيرانُ

وبكَ الكليمُ غداة َ خاطبَ ربَّهُ … سألَ القبولَ، فعمَّهُ الإحسانُ

وبكَ استبانَ الحقُّ بعدَ خفائه، … حتى أطاعَكَ إنسُها والجانُ

ولوَ أنّني وفّيتُ وصفَكَ حقَّهُ، … فَنِيَ الكَلامُ وضاقَتِ الأوزانُ

فعلَيكَ من رَبّ السّلامِ سَلامُهُ، … والفَضلُ والبَركاتُ والرّضوانُ

وعلى صِراطِ الحقّ آلُكَ كلّما … هَبّ النّسيمُ، ومالَتِ الأغصانُ

وعلى ابنِ عمّكَ وارِثِ العِلمِ الذي … ذَلّتْ لسَطوَة ِ بأسِهِ الشّجعانُ

وأخيكَ في يومِ الغديرِ، وقد بدَا … نُورُ الهُدى وتآخَتِ الأقرانُ

وعلى صحابتكَ الذينَ تتبّعوا … طُرُقَ الهُدى ، فهَداهمُ الرّحمانُ

وشَرَوا بسَعيهِمُ الجِنانَ، وقد دَرَوا … أنّ النّفوسَ لبيعِها أثمانُ

يا خاتمَ الرّسلِ الكرامِ وفاتحَ الـ … ـنّعمِ الجِسامِ، ومَن لهُ الإحسانُ

أشكُو إليكَ ذنوبَ نَفسٍ هَفوُها … طبعٌ عليهِ رُكّبَ الإنسانُ

فاشفَعْ لعَبْدٍ شانَهُ عِصيانُهُ؛ … إنّ العبيدَ يشينُها العِصيانُ

فَلكَ الشّفاعة ُ في مُحبّيكمْ، إذا … نصبَ الصراطُ، وعلقَ الميزانُ

فلقد تعرضَ للإجازة ِ طامِعاً … في أن يكونَ جزاءَهُ الغفرانُ