خليلكَ من صفا لك في البعاد – مهيار الديلمي

خليلكَ من صفا لك في البعاد … و جارك من أذكَّ على الودادِ

و حظك من صديقك أن تراه … عدوا في هواك لمن تعادى

و ربَّ أخٍ قصيَّ العرق فيه … سلوٌّ عن أخيك من الولادِ

فلا تغررك ألسنة ٌ رطابٌ … بطائنهنَّ أكبادٌ صوادي

و عش إما قرين أخٍ وفيّ … أمينِ الغيب أو عيشَ الوحادِ

فإني بعدَ تجربتي لأمرٍ … أنستُ ولا أغشك بإنفرادي

تريدُ خلائقُ الأيام مكرا … لتغضبني على خلقي وعادي

و تغمرني الخطوبُ تظنُّ أني … ألين على عرائكها الشدادِ

و ما ثهلانُ تشرف قنتاه … بأحملَ للنوائب من فؤادي

تغربُ في تقلبها الليالي … عليّ بكلّ طارقة ٍ نادِ

إذا قلتُ آكتفت مني وكتفتْ … نزتْ بالداء ثائرة العدادِ

رعى سمنُ الحوادثِ في هزالي … كأنّ صلاحهن على فسادي

فيوما في الذخيرة من صديقي … و يوما في الذخيرة من تلادي

يذمُّ النومَ دون الحرص قومٌ … و قلتُ لرقدتي عنه حمادِ

و ما كان الغنيَ إلا يسيرا … لو أنّ الرزقَ يبعثه اجتهادي

و ضاحكة ٍ إلى شعرٍ غريبٍ … شكمتُ به فأسلس من قيادي

تعدُّ سنيَّ تعجبُ من بياضي … و أعجبُ منه لو علمتْ سوادي

أمانٍ كلَّ يومٍ في انتقاصٍ … يساوقهنَّ همٌّ في ازدياد

و فرقة ُ صاحبٍ قلقِ المطايا … به قلقُ المدامعِ والوسادِ

تخفضُ بعده الأيامُ صوتي … على لسني وتخفضُ من عمادي

و تخمدُ عن ضيوف الأنس ناري … و كنتُ بقربه واري الزنادِ

أقيمُ ولم أقمْ عنه لمسلٍ … و يرحلُ لم يسرْ منيّ بزادِ

كأنا إذ خلقنا للتصافي … خلقنا للقطيعة والبعادِ

أرى قلبي يطيش إذا المطايا … إلى الرابين ياسرهنَّ حادي

و لم احسب دجيلا من مياهي … و لا أنّ المطيرة َ من بلادي

و لا أني أبيت دعامي يحدو … إلى تكريتَ سارية َ الغوادي

و من صعداء أنفاسي شرار … تمرُّ مع الجنوب بها تنادي

أأحبابي أثار البينَ بيني … و بينكمُ مساخطة ُ الأعادي

سقت أخلاقكمُ عهدي لديكم … فهنَّ به أبرُّ من العهادِ

وردَّ على عندكمُ زمانٌ … مجودُ الروضِ مشكورُ المرادِ

أصابت طيبَ عيشي فيه عيني … فقد جازيتها هجرَ الرقادِ

فلا تحسب وظنك فيّ خيرا … بقايَ وأنت ناءٍ من مرادي

و لا أني يسرُّ سوادَ عيني … بما عوضتُ من هذا السوادِ

و كيف وما تلفُّ المجدَ دارٌ … نأتك ولا يضمُّ الفضلَ نادي

فإن أصبرْ ولم أصبر رجوعا … إلى جلدٍ ولم أحمل بآدِ

فقد تحنى الضلوعُ على سقامٍ … و قد تغضى الجفونُ على سهادِ

و كنتُ وبيننا إن طال ميلٌ … و إما عرضُ دجلة َ وهي وادي

إذا راوحتُ دارك لجَّ شوقي … فلم يقنعه إلا أن أغادي

فكيف وبيننا للأرض فرجٌ … يماطل طوله عنقَ الجيادِ

و معترضُ الجزيرة والخوافي … من القاطول تلمع والبوادي

وفودٌ من مطايا الماءِ سودٌ … روادفها تطول على الهوادي

إذا كنّ الليالي مقمراتٍ … فراكبهنّ يخبطُ في الدآدي

لهنَّ من الرياح الهوجِ حادٍ … و من خلجِ المياه العوجِ هادي

إذا قمصت على الأمواج خيلتْ … على الأحشاء تقمصُ أو فؤادي

فهل لي أن أراك وأن تراني … و هل من عدتي هي أو عتادي

سأنتظر الزمانَ لها ويوما … يطيل يدَ الصديق على المعادي

ظمئنا بعدكم أسفا وشوقا … كما جيدتْ بكم يبسُ البلادِ

لعل محمدا ذكرته نعمى … تراني ناسيا فيه اعتقادي

و عل اللهَ يجبرُ بالتداني … كسيرة َ قانطٍ حسبُ التمادي

و أقربُ ما رجوتُ الأمرَ فيه … على الله اعتمادك واعتمادي

فلا تعدمَ ولا يعدمك خلآ … متى ما تعدهُ عنك العوادي

يزرك كرائما متكفلاتٍ … بجمع الأنسِ قيل له بدادِ

نواحبَ في التعازي والتشاكي … حبائبَ للتهاني والتهادي

طوالعَ في سوادِ الهم بيضاً … طلوعَ المكرماتِ أو الأيادي

إذا جرتْ ذلاذلها بجوًّ … تضوع حاضرٌ منه وبادي

لها فعلُ الدروع عليك صونا … و في الأعداء أفعالُ الصعادِ

ربتْ يا آلَ أيوبٍ وأتت … ربايَ بكم على السنة ِ الجمادِ

فهل رجلٌ يدلُّ إذا عدمتم … على رجلٍ وفيّ أو جوادِ

وَ من أخذَ المحاسنَ عن سواكم … كمن أخذَ المناسبَ عن زيادِ