حجبت ولم أحسب سنا البدر يحجب – ابن نباتة المصري

حجبت ولم أحسب سنا البدر يحجب … ولا خلتهُ في باطنِ الأرضِ يغرب

وأورثت عيني جود كفكَ فانبرت … تسحّ بأنواء الغمام وتسكب

يذكرني بدر السماءِ سميه … فها أنا أرعى كلّ بدرٍ وأرقب

ومذ آثرت فيكَ الكواكب حكمها … صددت فما يرعى بجفنيّ كوكب

يقولون إن الشهب في كبد السما … لها أسدُ يردي الأنامَ وعقرب

دعِ الأسدَ الأفقي يفترسُ الورى … ودع عقرب الأفلاك للخلق يسلب

عليكَ خشيتُ الخطب قبل أوانهِ … وحاذرتُ صرف الدهر وهو مغيّب

وما حسبت كفّي نوالك كثرة … ولكن لمحذور الردى كنتُ أحسب

لمن يستجدّ الفكر بعدكَ مدحة ً … يفضضُ في ألفاظها ويذهب

لمن نترجى بعد بابك إنه … لبذل الندى بابُ صحيحُ مجرب

لمن تلتجي العافونَ بعد عوارفٍ … عوارف ما تسعى اليه وتطلب

على شرفِ الاخلاق بعدكَ والوفا … سلامٌ كوجه الروض والروضُ معجب

مضت صدقاتُ السر بعدك وانقضت … فيا أسفاً للسرّ بالصدر يذهب

مضى رونقُ الآداب بعد وضوحه … وغيّب ذاك المنظر المتأدب

ألا في سبيل الله ساكن ملحدٍ … وأوصافه في الأرض تملى وتكتب

فتى ً كرمت أنسابه وخلالهُ … فآلاؤه إرثٌ لديهِ ومكسب

سرى غير مسبوق ثناهُ وكيف لا … وعنبره في نفحة الذكر أشهب

فمن مبلغ شيبان يوم ترحلت … عُلاه بأن الأفق بالشهب أشيب

وأنّ بني الآمال أعوز رعيهم … وضاعوا فلا أمٌّ هناك ولا أب

فقدناهُ فقدانَ الربيعِ فدهرنا … جمادى وزال المستماح المرجب

أخا أدبٍ بين المكارم والتقى … على شرف الدارين يسعى ويدأب

فلو لم تجدنا غرّ نعماه جادنا … بفضل دعاهُ وابلُ الغيثِ يسكب

مضى حيث تنأى عنه كلّ ذميمة ٍ … وأعمالهُ بالصالحاتِ تقرّب

وأيامه بدرية ٌ لا يضيرها … بوادرُ ما تأتي وما تتجنب

تجاهدُ فيها النفس والعيش ممكنٌ … وزبرج هذا العيش شيءٌ محبب

لحى الله دنيا لا تكون مطية ً … إلى دركِ الأخرى تزمّ وتركب

عجبت لمن يرجو الرضا وهو مهملٌ … وتسويفنا مع ذلك العلم أعجب

وماهذه الأيامُ إلا مراحلٌ … وأجدر بها تقضي قريباً وتقضب

إذا كانت الأنفاسُ للعمرِ كالخطا … فإنّ المدى أدنى مغالا وأقرب

أساكن جناتِ النعيم مهنأً … وتاركنا في حسرة ٍ نتلهب

سقى عهدك الصوبُ الملثّ فطالما … سقانا ملثّ من نوالك صيب

ولا أغمدت أيدي النوائب غربها … فما في حياة ٍ بعد موتكَ مرغب