جمعتُ همي عليا – محيي الدين بن عربي
جمعتُ همي عليا … فما برحتُ لديّا
إليّ يا منْ تعالى … عنِ الكيانِ إليا
فلم أجد غير ذاتي … لمَّا بسطتُ يديا
فأسفلُ الكونِ يعلو … وقتاً بربي عليا
انظرْ حديثَ هبوطٍ … تجدْه فيه جليّا
ما جئتُ شيئاً بقولي … عن الإله فريًّا
هذا حديثُ رسولٍ … قد اصطفاه نبيّا
ولم أكن عند قولي … إني بربي نسيا
لما سريتُ إليه … خِرتُ المكانَ العليّا
ناديتُ مولى الموالي … ربي نداءً خفيّا
إني ضعفتُ إلهي … وصِرتُ شيخا عتيّا
فلم أكن بدعائي … إياكَ ربِّ شقيا
أنت الوليّ الذي قد … صيرت قلبي وليّا
فاجعلنْ ربي إماماً … واجعلن ربي رضيا
فقدْ ضعفتُ لما بي … وذبتُ شيئاً فشيئا
سألتُ ربي أنْ لا … يجعل لذاتي سميّا
قدْ كنتُ عبداً مطيعاً … إذ كنتُ ملكاً سريا
أجرى ليَ اللهُ جوداً … من تحتِ عرشي سريّا
وأسقط الجذعُ قوتا … عليَّ رطباً جنيا
فكانَ منهُ غذائي … وعشتُ عيشاً هَنيًّا
وكانَ بي لطفُ ربي … لذاكَ برّاً حفيًّا
فهل رأيتم إلها … يقومُ شخصاً سويّا
هذا محالٌ ولكنْ … شاهدتُ أمراً نديّا
رأيتهُ عينَ نفسي … منْ حيثُ كنتُ صبيا
ولم أقل بحلولٍ … بل كنتُ منه بريّا
بلْ لمْ أجدْ منه بداً … لمّا هجرتُ مليا
وخرّ جمعي إليه … عندَ الشهودِ بكيا
فكنتُ أولى بنارٍ … للشوقِ فيها صليّا
إني خلصتُ إليهِ … لما اقتربتُ نجيّا