جفا ودهُ فازور أو مل صاحبهُ – بشار بن برد

جفا ودهُ فازور أو مل صاحبهُ … وأزرى به أن لا يزال يعاتبه

خَلِيليَّ لاَ تسْتنْكِرا لَوْعَة َ الْهوى … ولا سلوة المحزون شطت حبائبهُ

شفى النفس ما يلقى بعبدة عينهُ … وما كان يلقى قلبهُ وطبائبه

فأقْصرَ عِرْزَامُ الْفُؤاد وإِنَّما … يميل به مسُّ الهوى فيطالبهُ

إِذَا كان ذَوَّاقاً أخُوكَ منَ الْهَوَى … مُوَجَّهَة ً في كلِّ أوْب رَكَائبُهْ

فَخَلّ لَهُ وَجْهَ الْفِرَاق وَلاَ تَكُنْ … مَطِيَّة َ رَحَّالٍ كَثيرٍ مَذاهبُهْ

أخوك الذي إن ربتهُ قال إنما … أربت وإن عاتبته لان جانبه

إذا كنت في كل الأمور معاتباً … صَديقَكَ لَمْ تَلْقَ الذي لاَ تُعَاتبُهْ

فعش واحدا أو صل أخاك فإنه … مقارف ذَنْبٍ مَرَّة ً وَمُجَانِبُهْ

إِذَا أنْتَ لَمْ تشْربْ مِراراً علَى الْقذى … ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

وليْلٍ دَجُوجِيٍّ تنامُ بناتُهُ … وأبْناؤُه منْ هوْله وربائبُهْ

حميتُ به عيني وعين مطيتي … لذيذ الكرى حتى تجلت عصائبه

ومَاءٍ تَرَى ريشَ الْغَطَاط بجَوِّه … خَفِيِّ الْحَيَا ما إِنْ تَلينُ نَضَائُبهْ

قَريبٍ منْ التَّغْرير نَاءٍ عَن الْقُرَى … سَقَاني به مُسْتَعِملُ اللَّيْل دَائبُهْ

حليف السرى لا يلتوي بمفازة … نَسَاهُ وَ لاَ تَعْتَلُّ منْهَا حَوَالبُهْ

أمَقُّ غُرَيْريٌّ كأنَّ قُتُودَهُ … على مثلث يدمى من الحقب حاجبه

غيور على أصحابه لا يرومهُ … خَليطٌ وَلا يَرْجُو سوَاهُ صَوَاحبُهْ

إِذَا مَا رَعَى سَنَّيْن حَاوَلَ مسْحَلاً … يجد به تعذامه ويلاعبه

أقب نفى أبناءه عن بناته … بذي الرَّضْم حَتَّى مَا تُحَسُّ ثَوَالبُهْ

رَعَى وَرَعيْنَ الرَّطْبَ تسْعينَ لَيْلَة ً … على أبقٍ والروض تجري مذانبه

فلما تولى الحر واعتصر الثرى … لَظَى الصَّيْف مِنْ نَجْمٍ تَوَقَّدَ لاَهِبُهْ

وَطَارَتْ عَصَافيرُ الشَّقائق وَاكْتَسَى … منَ الآل أمْثَالَ الْمُلاَءِ مَسَاربُهْ

وصد عن الشول القريع وأقفرت … ذُرَى الصَّمْد ممَّا اسْتَوْدَعَتْهُ مَوَاهبُهْ

وَلاَذَ الْمَهَا بالظِلِّ وَاسْتَوْفَضَ السَّفَا … منَ الصَّيْف نَئَاجٌ تَخُبُّ مَوَاكبُهْ

غَدَتْ عَانَة ٌ تَشْكُو بأبْصَارهَا الصَّدَى … إلى الجأب إلا أنها لا تخاطبه

وظلَّ علَى علياءَ يَقْسِمُ أمْرهُ … أيَمْضِي لِوِرْد بَاكِراً أمْ يُواتـبُهُ

فلمَّا بدا وجْهُ الزِّمَاعِ وَرَاعَهُ … من الليل وجه يمم الماء قاربه

فَبَاتَ وقدْ أخْفى الظَّلاَمُ شُخُوصَها … يُنَاهبُها أُمَّ الْهُدى وتُناهبُهْ

إذا رقصت في مهمه الليل ضمها … إِلَى نَهجٍ مِثْلَ الْمَجَرَّة لاَحِبُهْ

إلى أن أصابت في الغطاط شريعة ً … من الماء بالأهوال حفت جوانبه

بها صَخَبُ الْمُسْتوْفِضات علَى الْولَى … كما صخبت في يوم قيظ جنادبه

فأقبلها عرض السري وعينهُ … ترود وفي الناموس من هو راقبه

أخُو صيغة ٍ زُرْقٍ وصفْراءَ سمْحة ٍ … يَجاذبُها مُسْتحْصِدٌ وتُجاذبُهْ

إذا رزمت أنَّت وأنَّ لها الصدى … أَنين الْمريض للْمريض يُجاوبُهْ

كأن الغنى آلى يميناً غليظة ً … عليه خلا ما قربت لا يقاربه

يؤول إلى أم ابنتين يؤودهُ … إِذا ما أتاها مُخْفِقاً أوْ تُصاخبُهْ

فلما تدلى في السري وغره … غليلُ الْحشا منْ قانصٍ لاَ يُواثبُهْ

رمى فأمر السهم يمسح بطنه … ولبَّاته فانْصاع والْموْتُ كاربُهْ

ووافق أحجاراً ردعن نضيهُ … فأصبح منها عامراهُ وشاخبه

يخاف المنايا إن ترحلت صاحبي … كأنَّ الْمَنَايَا في الْمُقَامِ تُناسبُهْ

فقُلْتُ لهُ: إِنَّ العِراق مُقامُهُ … وَخِيمٌ إِذا هبَّتْ عليْك جنائبُهْ

لعلَّك تسْدْني بسيْرك في الدُّجى … أخا ثقة ٍ تجدي عليك مناقبهْ

من الْحيِّ قيْسٍ قيْسِ عيْلاَن إِنَّهُمْ … عيون الندى منهم تروى سحائبه

إذا المجحد المحروم ضمت حبالهُ … حبائلهم سيقت إليه رغائبه

ويومٍ عبوريٍّ طغا أو طغا به … لظاهُ فما يَرْوَى منَ الْمَاء شَاربُهْ

رفعت به رحلي على متخطرفٍ … يزفُّ وقد أوفى على الجذل راكبهْ

وأغبر رقَّاص الشخوص مضلة ً … مَوَاردُهُ مَجْهُولَة ٌ وَسَباسبُهْ

لألقى بني عيلان إن فعالهم … تزيدُ علَى كُلِّ الْفعَال مَرَاكبُهْ

ألاك الألى شقوا العمى بسيوفهم … عن الغي حتى أبصر الحق طالبه

إذا ركبوا بالمشرفية والقنا … وأصبح مروان تعدُّ مواكبه

فأيُّ امْرىء ٍ عاصٍ وأيُّ قبيلة ٍ … وأرْعَنَ لاَ تبْكي عليْه قرائبُهْ

رويداً تصاهلُ بالعراقِ جيادنا … كأنكَ بالضحاك قَدْ قَامَ نادِبُهْ

وَسَامٍ لمرْوانٍ ومِنْ دُونِهِ الشَّجَا … وهوْلٌ كلُجِّ الْبحْر جَاشتْ غواربُهْ

أحلَّتْ به أمُّ الْمنايا بناتِها … بأسيافنا إنا ردى من نحاربه

وما زال منَّا مُمْسكٌ بمدينة … يراقب أو ثغر تخاف مرازبه

إِذَا الْملِكُ الْجبَّارُ صَعَّر خدَّهُ … مَشَيْنا إِليْه بالسُّيوف نُعاتبُهْ

وكُنَّا إِذا دَبَّ الْعدُوَّ لسُخْطِنَا … ورَاقَبَنا في ظاهرٍ لا نُراقُبْه

ركِبْنا لهْ جهْراً بكُلِّ مُثقَّفٍ … وأبْيضَ تَسْتَسْقِي الدِّماءَ مضاربُهْ

وجيش كجنح الليل يرجف بالحصى … وبالشول والخطي حمر ثعالبهْ

غَدَوْنا لهُ والشَّمْسُ فِي خِدْرِ أُمِّها … تُطالِعُنا والطَّلُّ لمْ يجْرِ ذائِبُهْ

بِضرب يذُوقُ الْموْت منْ ذاق طَعَمَهُ … وتُدْرِكُ منْ نَجَّى الْفِرارُ مثالِبُهْ

كأن مُثار النقع فوق رؤوسهم … وأسيافنا ليلٌ تهاوت كواكبه

بعثنا لهم موت الفجاءة إننا … بنُو الْمُلْكِ خفَّاقٌ عليْنا سَبَائبُهْ

فراحُوا: فرِيقاً فِي الإِسارِ ومِثْلُهُ … قتِيلٌ ومِثْلُ لاذَ بالْبحْرِ هارِبُهْ

وأرْعنَ يغْشَى الشَّمْسَ لوْنُ حدِيدِهِ … وتخلس أبصار الكماة كتائبه

تغص به الأرض الفضاء إذا غدا … تزاحم أركان الجبال مناكبه

كأن جناباويه من خمس الوغى … شَمامٌ وَسلْمَى اوْ أَجأ وكواكِبُهْ

تركنا به كلباً وقحطان تبتغي … مَجِيراً من القتْلِ المُطِلِّ مَقانِبُهْ

أباحَتْ دِمَشْقاً خيْلُنا حين أُلْجِمَتْ … وآبت بها مغرور حمصٍ نوائبه

ونالت فلسطيناً فعرد جمعها … عَنِ الْعارض المُسْتنِّ بِالْمَوتِ

وقدْ نزلتْ مِنَّا بِتدْمُرَ نوْبَة ٌ … كذاك عُرُوضُ الشَّرّ تعْرُو نوائبه

تعود بنفس لا تزل عن الهدى … كمَا زَاغَ عَنْهُ ثابِتٌ وأقارُبه

دعا ابن سماكٍ للغواية ثابتٌ … جِهَاراً ولمْ يُرْشدْ بَنيهِ تَجَاربُه

ونادى سعيداً فاستصب من الشقا … ذنُوباً كمَا صُبَّتْ عَليْهِ ذنائبُه

ومن عَجَبٍ سَعْيُ ابْن أغْنمَ فيهمُ … وعثمان إن الدهر جم عجائبه

ومَا منْهُمّا إِلاَّ وطار بشخْصِهِ … نجيبٌ وطارت للكلاب رواجبه

أمَرْنا بهمْ صَدْرَ النَّهَارِ فصُلِّبُوا … وأمسى حميدٌ ينحتُ الجذع صالبه

وباط ابن روح للجماعة إنهُ … زأرنا إليه فاقشعرت ذوائبه

وبِالْكُوفة ِ الحُبْلَى جَلَبْنا بِخَيْلِنا … عليهم رعيل الموت إنا جوالبه

أقمنا على هذا وذاك نساءهُ … مَآتِمَ تَدْعُو للبُكا فتُجاوِبه

أيامى وزوجاتٍ كأن نهاءها … على الحزن أرءامُ الملا ورباربه

بَكيْن عَلى مِثل السِّنانِ أصَابَهُ … حِمَامٌ بأيْدِينا فهُنَّ نوادِبُه

فلمّا اشْتَفيْنا بِالْخِليفة ِ منْهُمُو … وصال بنا حتى تقضت مآربه

دَلْفَنا إِلَى الضَّحَّاك نَصْرفُ بالرَّدَى … ومروان تدمى من جذام مخالبه

معِدِّينَ ضِرْغاماً وَأسْودَ سَالِخاً … حُتُوفاً لمَنْ دَبِّتْ إِلَيْنَا عَقَاربُهْ

وما أصبح الضحاكُ إلا كثابتٍ … عَصَانَا فَأرْسلْنَا المنيَّة تَادبُهْ