جعلتُ حُلاها وتمثالها – أحمد شوقي

جعلتُ حُلاها وتمثالها … عيونَ القووافي وأمثالها

وأَرسلتُها في سماءِ الخيال … تجرُّ على النجم أذيالها

وإني لغِرِّيدُ هذي البطاح … تَغَذَّى جَناها وسَلْسالها

ترى مصر كعبة َ أشعاره … وكلِّ معلقة ٍ قالها

وتلمَحُ بين بيوتِ القصيدِ … جحالَ العروسِ واحجالها

أَدار النسيبُ إلى حبِّها … وولَّى المدائحَ إجلالها

أَرَنَّ بغابرها العبقريّ … وغنى بمثل البكا حالها

ويروي الوقائع في شعره … يروض على البأس أطفالها

وما لَمَحوا بعدُ ماءَ السيوفِ … فما ضَرّ لو لَمَحوا آلها

ويوم ظليل الضحى من بشنس … أَفاءَ على مصرَ آمالها

رَوَى ظلُّه عن شباب الزمانِ … رفيفَ الحواشي وإخضالها

مشَت مصرُ فيه تُعيد العصورَ … ويغمر ذكر الصبا بالها

وتَعْرض في المِهرجان العظيمِ … ضحاها الخوالي وآصالها

وأَقبل رمسيسُ جَمَّ الجَلالِ … سني المواكب ، مختالها

وما دان إلا بِشُورَى الأُمور … ولا اختال كِبْراً، ولا استالها

فحيَّا بأَبْلجَ مثلِ الصَّباحِ … وجوهَ البلادِ وأَرسالها

وأَوْما إلى ظلماتِ القرونِ … فشقّ عن الفنّ أسدالها

فمن يبلغ الكرنكَ الأقصريَّ … وينبيء طيبة أطلالها

ويسمع ثمَّ بوادي الملوكِ … ملوكَ الديار وأَقيالها

وكلَّ مخلدة ٍ في الدمى … هنالك نُحصِ أَحوالها

وما كعلي ولا جيلِه … ويفضُلْنَ في الخيرِ مِنوالها

تكاد وإن هي لم تتصل … بروحٍ ـ تُحَرِّك أَوصالها

وما الفنُّ إلا الصريح الجميل … غذا خالط النفس أوحى لها

وما هو إلا جمالُ العقول … إذا هي أَوْلَتْه إجمالها

لقد بعث الله عهد الفنون … وأَخرجت الأَرضُ مَثَّالها

تعالوا نرى كيف سوى الصفاة َ … فتة ً تلملمُ سربالها

دنت من أبي الهول مشى الرؤوم … إلى مُقْعَدٍ هاج بَلْبالها

وقد جاب في سَكَرات الكَرَى … عروضَ الليالي واطوالها

وأَلْقى على الرمل أَرْواقَه … وأَرْسى على الأَرض أَثقالها

يخال لإطراقه في الرمال … سَطِيحَ العصورِ ورَمّالها

فقالت: تَحرَّكْ، فَهمّ الجمادُ … كأَن الجمادَ وعَى قالها

فهل سَكَبَتْ في تجاليده … شعاعَ الحياة وسالها ؟

أَتذكُر إذ غضِبَت كاللّباة ِ … ولمت من الغيل أشبالها ؟

والقت بهم في غمار الخطوبِ … فخاضوا الخطوبَ واهوالها

وثاروا ، فجن جنونُ الرياحِ … وزُلزِلتِ الأَرضُ زِلزالها

وبات تلمسهم شخهم … حديث الشعوب واشغالها

ومن ذا رأى غابة ً كافحتْ … فردت من الأسرِ رئبالها ؟

وأهيب ما كان بأس الشعوبِ … إذا سلَّح الحقُّ اعزالها

فوادث ، ارغع الستر عن نهضة … تقدم جدك أبطالها

وربّ امرىء ٍ لم تَلِده البلادُ … نماها ، ونبه أنسالها

وليس اللآلىء مِلْكَ البحورِ … ولكنها مِلْكُ من نالها

… إذا عرضت مصر أجيالها

بنوا دولة من بنات الأسنـ … ـة ِ لم يشهد النيلُ أَمثالها

لئن جلل البحرَ أسطولها … لقد لبِس البرُّ قَسطالها

فأما أبوكَ فدنيا الحضا … رة ِ لو سالم الدهرُ إقبالها

تخيّر إفريقيا تاجَه … وركب في التاج صومالها

إن سرن في الارض نسنها … ركابَ السماءِ وأَفضالها

فلم تبرح القصر إلا شفيتَ … جدوبَ العقول وإمحالها

لقد ركب اللهُ في ساعديك … يمين الجدود وشمآلها

تخط وتبني صروحَ العلومِ … وتفتح للشَّرق أَقفالها