تِلْكَ المَنَارَةُ فِي المَكَانِ الْعَالِي – خليل مطران

تِلْكَ المَنَارَةُ فِي المَكَانِ الْعَالِي … تَرْمِي الدجَى بِشُعَاعِهَا الجَوَّالِ

شَيَّدُتُمَاهَا زِينَةً وَهِدَايَةً … لِلنَّاسِ مِنْ حِجَجٍ مَضَيْنَ طِوَالِ

مِرْآتُهَا عُلْوِيَّةٌ كَشَّافَةٌ … لِغَوامِضِ الأَشْيَاءِ والأَحْوَالِ

عَيْنٌ تُطَالِعُ سِرَّ كلِّ حقِيقَةٍ … وَتَرُودُ كُلَّ مَظِنَّةٍ بِسُؤْالِ

وَقَفَ النُّبُوغُ وَرَاءَهَا مُسْتَشْرِفاً … كُنْهَ الْبَقَاءِ وَغَايَةَ التَّرْحَالِ

يَسْمُو إِلى نَجْمِ السَّمَاءِ وَيَنْثَنِي … فَيَزُورُ نَجمَ الأَرْضِ فِي الأَدْغَالِ

يَجْتَازُ أَجْوَازَ الْغُيُوبِ فَيَجْتَلِي … فِيهَا شُمُوساً لَمْ يَدُرْنَ بِخَالِ

يَرْنُو إِلى الذَّرِّ الدَّقِيقِ مِنَ الثَّرَى … فَيَرَى دَرَارِيَ لَمْ تُضَأ بِذُبَالِ

يُلْقِي ابْتِسَاماً وَالْخِضَمُّ مُقَطَّبٌ … وَالمَوْجُ فَوْقَ حُدُودِهِ مُتَعَالِي

فَيَنُمُّ وَجْهُ اللُّجِّ عَمَّا فِي الْحَشَى … وَتُصَادُ مِنْ أَصْدَافِهِنَّ لآلِي

مَا زَالَ يَقْتنِصُ الأَوَابِدَ دَائِباً … بِحَبَائِلٍ مِنْ نُورِهَا وَحِبَالِ

وَيُعِيرُ مِنْ حَسَنَاتِهَا قَلْبَيْكُمَا … آيَاتِ سِحْرٍ لِلْعُقُولِ حَلالِ

فَتُوَافِيَانِ الْقَارِئِينَ عَلَى صَدًى … مِنْهُمْ بِمَا يُرْوَى مِنْ الأَقْوَالِ

وَتُطَالِعَانِ أُولِي النُّهَى بِطَرائِفٍ … تَلِجُ القُلُوبَ بِلُطْفِ الاِسْتِرْسَالِ

فِي دِفَّتَيْ سِفْرٍ تَضَمَّنَ مَا غَلاَ … مِنْ حِكْمَةِ الأَحْقَابِ وَالأَجْيَالِ

مُتَجَدِّدٍ عَدَدَ الشُّهُورِ رَبِيعُهُ … حُلْوُ الجَنَى وَبِكُلِّ حُسْنٍ حَالِي

لَوْ نُضِّدَتْ أَوْرَاقُهُ مِنْ كَثْرَة … طَالَتْ عَلَى مُتَطَاوِلِ الأَجْبَالِ

أَنْشَأْتُمَاهَا لِلعُلُومِ مَجَلَّةً … كسِبَتْ طَرَائِفهَا فُنُونَ جَمَالِ

سَهِرَتْ عُيُونُكُمَا عَلَى إِتْقَانِهَا … فَمِنَ السُّطُورِ بِهَا سَوَادُ لَيَالِي

وَمِنَ المِدَاد دَمٌ أُرِيقَ وَإِنْ بَدَا … مُتَنَوِّعَ الأَلْوَانِ وَالأَشْكَالِ

يَعْقُوبُ فِي إِحْيَاءِ مَجْدِ بِلادِهِ … وَبَقَاءِ تَالِدِهَا مِنَ الأَبْدَالِ

هُوَ فَيْلَسُوفٌ سِيرَةً وَسَرِيرَةً … مُتَطَابِقُ الأَقْوَالِ وَالأَفعَالِ

أَدْنى الرِّجَالِ إِلَى الكَمَالِ وَلَمْ يَكُنْ … فِي العَصْرِ شَيْءٌ مُغْرِياً بِكَمَالِ

وَفَتَى المَوَاقِفِ فَارِسٌ مَا فَارِسٌ … فِي حَوْمَة أَدَبِيَّةٍ وَسِجَالِ

حَلاَّلُ مُعْضِلَةِ الأمُورِ إِذَا غَدَتْ … وَالوَجْهُ قَدْ أَعْيَا عَلَى الحُلاَّلِ

هَلْ بَيْنَ أَقْطَابِ الفَصَاحَةِ مِثْلُهُ … سَبَّاقُ غَايَاتٍ بِكُلِّ مَجَالِ

يَا فَرْقَدَيْ أَدَبٍ وَنُبْلٍ أَدْرَكَا … أَسْمَى المُنَى مِنْ رِفْعَةٍ وَجَلاَلِ

يَهْنِيكُمَا شَرَفُ المَقَامِ وَخَيْرُهُ … عَلْيَاءُ قَدْرِكُمَا بِغَيْرِ تَعَالِ

وَالعِيدُ عِيدُ النِّصْفٍ مِنْ مِئَةٍ مَضَتْ … فِي خِدْمةٍ هِيَ مَضْرِبُ الأَمْثَالِ

عِيدٌ بِلاَدُ الشَّرْقِ فِيهِ بَلْدَةٌ … وَلأَهْلِهِ فِيهِ اشْتِرَاكُ الآلِ

وَإِذَا ذَكَرْنَا العيدَ فَلْنَذْكُر أَخاً … لَكُمَا يُنَادِيهِ المَكَانُ الخَالِ

لَمْ يَنْصُرِ العِرْفَانَ نُصْرَتَهُ امْرُؤءٌ … بِشَمَائِلٍ خُلِقَتْ لَهَا وَخِلاَلِ

إِنْ فَاتَ عَيْنَيْهِ شَهَادَةُ يَوْمِهِ … هَذَا رَآهُ بِأَعْيُنِ الأَشْبَالِ

صَحْبٌ كَمَا شَاءَ الوَفَاءُ ثَلاَثَةٌ … كَانُوا لأَهْلِ الشَّرْقِ خَيْرَ مَثَالِ

بَدَأُوا جِهَادَهُمْ وَسَارُوا سَيْرَهُمْ … يَبْغُونَ مَطْلُوباً عَزِيزَ مَنَالِ

صَبْراً عَلَى الأَيَّامِ حَتَّى أَقْبَلَتْ … مِنْ كلِّ وَجْهٍ أَيَّمَا إِقْبَالِ

أَخْلاَقُ جِدٍّ لا تَتِمُّ بِغَيْرِهَا … فِي الْعَالَمِينَ جَلاَئِلُ الأَعْمَالِ

لَيسَ الكِبَارُ مِنَ الرِّجَالِ هُمُ الأُولَى … ضَرَبُوا الطَّلى فَدُعُوا كِبَارَ رِجَالِ

قَدْ يَحْسَبُ الْعِزَ الرَّفِيعَ مُجَازِفٌ … فِي طَرْقِهِ غِيلاً عَلَى الرِّئْبَالِ

أَوْ يَقْحَمُ المَوْتَ الجَسُورُ وَعَلَّهُ … قَدْ جَرَّأَتْهُ عَقِيدَةُ الآجَالِ

أَمَّا الأْولَى دَأَبُوا وَذَبُوا حِسْبةً … لإِنَارَةٍ وَهُدًى وَكَشْفِ ضَلاَلِ

وَشَرَوْا بِرَاحَتِهِمْ هَنَاءَ بِلاَدِهِمْ … فَهُمُ لَعَمْرِي خِيرَةُ الأَبْطَالِ

لَهُمُ الوِلاَيَةُ وَالْقُلُوبُ عُرُوشُهُمْ … وَلَهُمْ مَكَانَتُهُمْ مِنْ الإِجْلاَلِ

يَا مَنْ مَدَحْتُهُمَا فَلَمْ تَفِ مِدْحَتِي … بِلُبَانَةٍ وَالْعُذْرِ مِنْ إِقْلاَلِي

قَدْ قَامَ مَجْدُكُمَا كَطَوْدٍ شَامِخٍ … مَاذَا يُمَثِّلُ مِنْه لَمْعُ الآلِ

وَهَلِ الرَّوِيُّ وَإِنْ تَسَلْسَلَ شَافياً … كَالرِّدِّ مِنْ يَنْبُوعِهِ السَّلْسَالِ

لَا بِدْعَ فِي تَقْصِيرِ شِعْرِي دُونَهُ … شَتَّانَ بَيْنَ حَقيقَةٍ وَخَيَالِ