تَعَزَّ فَقَد ماتَ الهَوى وَاِنتَهى الجَهلُ – صريع الغواني

تَعَزَّ فَقَد ماتَ الهَوى وَاِنتَهى الجَهلُ … فَرَدَّ عَلَيكَ الحِلمَ ما قَدَّمَ العَذلُ

أَحينَ طَوى عَن شِرَّةِ اللَهوِ شِرَّةً … يُطيعُ سَوادَ الرَأسِ إِن قالَ لا تَسلُ

حَماهُ عَلى سَبعٍ وَعِشرينَ حِجَّةً … شَبابٌ فَتِيُّ الغَيبِ شاهِدُهُ كَهلُ

أَلا نادِيَ اليَومَ الَّذي أَعجَلَ النَوى … نَلبُثَها حَتّى اِنطَوى مَعَها الوَصلُ

لَعَلَّ وُجوهَ اللَيلِ تَثنى صُدورَهُ … فَيَخرُجَ مِن حَدِّ السُهادِ بِنا الأَصلُ

تَفَرَّقُ في العَينِ الدُموعُ وَتارَةً … يُؤَلِّفُها الإِلفُ الَّذي حَلَّفَت جُملُ

هُوَ الشَوقُ مَصروفُ السُلُوِّ وَدونَهُ … أَحاديثُ إِذكارِ الفُؤادِ بِها خَبلُ

فَدَع قَلبَهُ وَالنَأيَ لا يَذكُرُ الهَوى … لَيالِيَ يَلقاهُ بِأَترابِهِ الشَملُ

خَرَجنَ خُروجَ الأَنجُمِ الزُهرِ وَاِلتَقَت … عَلَيهِنَّ مِنهُنَّ المَلاحَةُ وَالشَكلُ

تَبَسَّمنَ فَاِستَضحَكنَ طامِسَةَ الدُجا … عَنِ الصُبحِ وَالظَلماءُ أَوجُهُها طُحلُ

خَفينَ عَلى غَيبِ الظُنونِ وَغَصَّتِ ال … بُرَينُ فَلَم يَنطِق بِأَسرارِها حِجلُ

وَلَمّا تَلاقَينا قَضى اللَيلُ نَحبَهُ … بِوَجهٍ لِوَجهِ الشَمسِ مِن مائِهِ المَحلُ

أَرِبنا بِأَلحاظِ العُيونِ وَبَينَنا … عَفافٌ وَتَكذيبٌ لِمّا يَأثُرُ المَحلُ

كَأَنَّ الثُرَيّا فَورَها وَسُكونَها … نُجومٌ جَلاها الفَجرُ فَاِحتازَها أَفلُ

طَوَيتُ بِها شَرخَ الشَبابِ فَحاجَزَت … قَريباً وَجِلبابُ الصِبا خَلَقٌ رَذلُ

وَخَضراءَ يَدعو شَجوَ مُكِّيِّها الصَدى … إِذا نَسَفَتها الريحُ ريحانُها شُعلُ

سَقاها الثَرى ماءَ النَدى وَأَسَرَّها … مِنَ القَيظِ حَتّى أَمرَعَ السارِحَ الرَبلُ

إِذا دَرَجَت فيها الجَنوبُ تَعانَقَت … بِها سامِقاتُ الزَهرِ وَاِصطَحَبَ البَقلُ

كَساها الخَلا الرَسمِيُّ مِن كُلِّ جانِبٍ … طَرائِقَ حَتّى سودُ حَوزاتِها شُهلُ

تَحَلَّبَ مِنها مُستَسِرٌّ مِنَ النَدى … بِريحِ الصِبا وَالرَوضُ أَعيُنُهُ خُضلُ

أَنَختُ بِها وَالشَمسُ تَنعِقُ بِالضُحى … وَما صاحِبي إِلّا المُدامَةُ وَالجَحلُ

إِذا شِئتُ حَيّاني الثَرى بِنَباتِهِ … وَطالَعَني في رَوضِهِ العُصُمُ العُقلُ

تَراخَينَ دوني ثُمَّ أَوجَسنَ وَطأَةً … فَأَتلَعنَ كُحلاً مُستَراباً لَها الكُحلُ

وَغَبراءَ لا يُسقي عَلى الخِمسِ رَكبُها … قَطَعتُ وَريقُ الشَمسِ يَغلي بِهِ السَجلُ

تَجاوَزتُها وَالآلُ مُستَنقِعٌ بِها … كَنَّشرِ القَباطيِّ اِنتَضى ماءَها الغُسلُ

وَمُلتَجِبٍ بِالنَأيِ قَلبُ دَليلِها … يَبيتُ بِها عَن بَيتِهِ الجابُ وَالصَعلُ

لَقَيتُ الدُجى فيها وَلِلأَصلِ قُلعَةٌ … وَمُحتَنِكُ الإِمساءِ مُقتَضَبٌ طِفلُ

وَلَمّا تَعالى اللَيلُ شَقَّت بِنا السُرى … جَلابيبَهُ حَتّى رَأى دُبرَهُ القُبلُ

إِذا شِئتُ خَلَّفتُ الصَبا أَو صَحِبتُها … بِوَجناءَ مَوصولٍ بِغارِبِها الرَحلُ

أَتَتكَ المَطايا تَهتَدي بِمَطِيَّةٍ … عَلَيها فَتاً كَالنَصلِ يُؤنِسُهُ النَصلُ

وَرَدنَ خِلافَ اللَيلِ وَاللَيلُ مُصدِرٌ … أَواخِرُهُ وَالفَجرُ عُريانُ أَو فُضلُ

فَلَمّا نَحَينَ النورَ خَرَّينَ تَحتَهُ … عَلى أَمَلٍ يُشجى بِهِ اليَأسُ وَالمَطلُ

وَرَدنَ رِواقَ الفَضلِ فَضلِ بنِ جَعفَرٍ … فَحَطَّ الثَناءَ الجَزلَ نائِلُهُ الجَزلُ

فَتىً تَرتَعي الآمالُ مُزنَةَ جودِهِ … إِذا كانَ مَرعاها الأَمانِيُّ وَالبُطلُ

تُساقِطُ يُمناهُ نَدىً وَشِمالُهُ … رَدىً وَعُيونُ القَولِ مَنطِقُهُ الفَضلُ

أَلَحَّ عَلى الأَيّامِ يَفري خُطوبَها … عَلى مَنهَجٍ أَلفى أَباهُ بِهِ قَبلُ

عَجولٌ إِلى ما يودِعُ الحَمدَ مالَهُ … يَعُدُّ النَدى غُنماً إِذا اِغتُنِمَ البُخلُ

كَأَنَّ نَعَم في فيهِ يَجري مَكانَها … سُلالَةُ ما مَجَّت لِأَفراخِها النَحلُ

جَرى مُذ حَواهُ المَهدُ في شَأوِ جَعفَرٍ … إِلى غايَةٍ يَتلو المِثالَ الَّذي يَتلو

حَمولاً لِعِبوِ الدَهرِ يَنهَضُ عَفوُهُ … بِهِ مُستَقِلّاً حينَ لا يُحمَلُ الثِقلُ

إِذا أَغمَدَت هِمّاتُهُ خَطباً اِغتَدَت … عَلى مُنتَضى رَأيٍ مُمَرٍّ بِهِ السَحلُ

كَأَنَّ مَجالَ العَينِ مِنهُ وَقَلبَهُ … وَغُرَّتَهُ نَصلٌ حَماهُ الصَدى الصَقلُ

أَنافَ بِهِ العَلياءَ يَحيى وَجَعفَرٌ … فَلَيسَ لَهُ مِثلٌ وَلا لَهُما مِثلُ

فُروعٌ تَلَقَّتها المَغارِسُ فَاِعتَلى … بِها عاطِفاً أَعناقَها قَصدَهُ الأَصلُ

لَهُم هَضبَةٌ تَأوي إِلى ظِلِّ بَرمَكٍ … مَنوطاً بِها الآمالُ أَطنابُها السُبلُ

أَقَرَّت عَلَيهِم نِعمَةَ اللَهِ نِعمَةٌ … لَهُم في رِقابِ الناسِ لَيسَ لَها نَقلُ

وَقَوا حُرَمَ الأَعراضِ بِالبيضِ وَالنَدى … فَأَموالُهُم نَهبٌ وَأَعراضُهُم بَسلُ

حُبّاً لا يَطيرُ الجَهلُ في عَذَباتِها … إِذا هِيَ حَلَّت لَم يَفُت حَلَّها ذَحلُ

جَرى آخِذاً يَحيى مُقَلَّدَ جَعفَرٍ … وَصَلّى إِمامُ السابِقينَ اِبنُهُ الفَضلُ

بِكَفِّ أَبي العَباسِ يُستَمطَرُ الغِنى … وَتُستَنزَلُ النُعمى وَيُستَرعَفُ النَصلُ

وَيُستَعطَفُ الأَمرُ الأَبِيُّ بِحَزمِهِ … إِذا الأَمرُ لَم يَعطِفهُ نَقضٌ وَلا فَتلُ

لَهُ سَطَواتٌ غِبُّها العَفوُ بَينَها … فَوائِدُ يُحصى قَبلَ إِحصائِها الرَملُ

تُسَلُّ سَخيماتُ الأَيّامِ مِن نَشرِ نِعمَةٍ … تَراءَت لَهُ فيها صَنائِعُ ما تَخلو

إِذا خَلَتِ الأَيّامُ مِن نَشرِ نِعمَةٍ … تَراءَت لَهُ فيها صَنائِعُ ما تَخلو

مَواهِبُ لَم تُغصَب فَتُعقَل بِمِثلِها … وَلَكِن بَقِيّاتُ الثَناءِ لَها عَقلُ

يُلَبّى مُنادي جَعفَرٍ وَاِبنِ جَعفَرٍ … إِذا اِعتَرَتِ النَكباءُ وَاِحتَجنَ الوَيلُ

بِعَينَيكَ آمالٌ تَروحُ وَتَغتَدى … عَلى جودِهِ يَقتادُها القَولُ وَالفِعلُ

إِذا ما أَبو العَبّاسِ حَلَّ بِبَلدَةٍ … كَفاها الحَيا وَاِستَجهَلَ الخَوفُ وَالمَحلُ

أَتَتكَ الأَمانِيُّ اِعتِباداً وَرَغبَةً … بِرِجلٍ مِنَ الآمالِ يَتبَعُها رِجلُ

تَبَسَّمَ عَنكَ المَهلُ في غايَةِ النَدى … كَذَلِكَ يَحيى كانَ قَدَّمَهُ المَهلُ

أَسَرَّتكَ آمالٌ فَنالَت بِكَ الغِنى … وَجاءَتكَ أُخرى عَلُّها أَبَداً نَهلُ

وَما خَوَّلَتكَ المَكرُماتُ سَجِيَّةً … حُبيتَ بِها إِلّا وَأَنتَ لَها أَهلُ

أَبوكَ اِستَرَدَّ الشامَ إِذ نَفَرَت بِهِ … مُلَقَّحَةً شَعواءَ لَيسَ لَها بَعلُ

بِجَيشٍ كَأَنَّ اللَيلَ بَعضُ حَديدِهِ … تَهادى الرَدى فيهِ الفَوارِسُ وَالرَجلُ

وَلَمّا تَناءَت بِالقَراباتِ مِنهُمُ … حَوادِثُ تَمريها الوَقائِعُ وَالأَزلُ

وَمالَت قَناةُ الدينِ فيهِم وَثُقِّفَت … قَناةُ الرَدى وَاِستَعذَبَ المُهَجَ القَتلُ

نَضى سَيفُهُ فيهِم بِحَقنِ دِمائِهِم … وَسَفكِ دِماءٍ عِندَها ضَحِكَ التَبلُ

أَقامَ عَلى أَقطارِها شاهِدُ الرَدى … طَلَيعَةَ رَأيٍ غِبُّهُ العَفوُ وَالبَذلُ

إِذا شاءَ أَعطَتهُ الأُنوفَ مَقودَةً … صَوارِمُ بيضٍ أَو رُدَينِيَّةٌ ذُبلُ

هُنالِكَ أَضحَكنَ العِدى عَن نُفوسِها … وَقَد ضَحِكَت دَهياءُ أَنيابُها عُصلُ

مَرى لَهُمُ خِلفَينِ بِالحَتفِ وَالنَدى … لِكُلِّ يَدٍ مِن نَزعِ ساعِدِها سَجلُ

بَعيدُ الرِضى لا يَستَميلُ بِهِ الهَوى … وَلا يَتَعاطى الجِدَّ مِن رَأيِهِ الهَزلُ

إِذا اِفتَرَّتِ الثَغرَ الخُطوبُ اِنبَرى لَها … بِعابِسَةٍ مُفتَرُّها الأَسرُ وَالقَتلُ

وَتَستَغرِقُ الشورى بَديهَةُ رَأيِهِ … وَإِن كانَ مَضروباً عَلى قَلبِهِ الشُغلُ

شِهابُ أَميرُ المُؤمِنينَ الَّذي بِهِ … أَضاءَ عَمودُ القَصدِ وَاِحتَزَبَ العَدلُ

إِذا ضُيِّعَ الرَأيُ اِستَشَفَّ كَأَنَّهُ … شَواهِقُ رَضوى لَيسَ في خُلقِهِ دَخلُ

رَقيبٌ عَلى غَيبِ الأُمورِ وَرَجمِها … بِرَأيٍ قَويمٍ مِنهُ ما الغَصبُ وَالخَتلُ

يَقومُ بِباغي الدينِ يَحيى وَجَعفَرٌ … إِذا لُحِيَ الإِسلامُ وَاِضطَرَبَ الحَبلُ

مَتّى شِئتَ رَفَّعتَ الرِواقَ عَلى الغِنى … إِذا أَنتَ زُرتَ الفَضلَ أَو أَذِنَ الفَضلُ