تَصَابَيْتُ بَعْدَ الْحِلْم، وَاعْتَادَنِي زَهْوِي – محمود سامي البارودي
تَصَابَيْتُ بَعْدَ الْحِلْم، وَاعْتَادَنِي زَهْوِي … وَأَبْدَلْتُ مَأْثُورَ النَّزَاهَة ِ بِاللَّهْوِ
وَ ما كنتُ أخشى أنْ تعودَ غوايتي … إلى َّ ، وَ لكنْ نظرة ٌ حركتْ شجوى
عَلَى أَنَّنِي غَالَبْتُ شَوْقِي، فَعَزَّنِي … وَ ناديتُ حلمي أنْ يعودَ ، فلمْ يلوِ
وَ ماذا على منْ خامرَ الحبُّ قلبهُ … إِذَا مَالَ مَعْهُ لِلْخَلاَعَة ِ وَالصَّبْوِ؟
إذا المرءُ لمْ يعطِ الحياة َ نصيبها … مِنَ اللَّهْوِ، قَادَتْهُ الْهُمُومُ إِلَى الشَّكْو
وَهَلْ في الصِّبَا وَاللَّهْوِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى … إِذَا الْعِرْضُ لَمْ يَدْنَسْ بِإِثْمٍ، وَلاَ بَعْوِ؟
لَعَمْرُكَ مَا قَارَفْتُ في الْحُبِّ زَلَّة ً … وَلاَ قَادَنِي مَعَهَا إِلَى سَوْءَة ٍ خَطْوِي
وَلَكِنَّنِي أَهْوَى الْخَلاَعَة َ وَالصِّبَا … وَ أتبعُ آثارَ الفضيلة ِ وَ السروِ
سجية ُ نفسٍ أدركتْ ما تريدهُ … مِنَ الدَّهْرِ، فَاعْتَاضَتْ عَنِ السُّكْرِ بِالصَّحْوِ
و إني منَ القومِ الذينَ إذا انتووا … مهولاً منَ الأخطارِ باءوا على بأوِ
أناسٌ إذا ما أجمعوا الأمرَ أصبحوا … وَ ما همْ بمظارينَ للغيمِ وَ الصحوِ
إِذَا غَضِبُوا رَدُّوا الأُمُورَ لأَصْلِهَا … كَمَا بَدَأَتْ، واسْتَفْتَحُوا الأَرْضَ بالْغَزْوِ
وَ إنْ حارتِ الأبصارُ في مدلهمة ٍ … مِنَ الأَمْرِ، جَاءُوا بِالإِنَارَة ِ وَالضَّحْوِ
شددتُ بهمْ أزري ، وَ أحكمتُ مرَّتي … وَأَطْلَقْتُ مِنْ حَبْلِي، وَأَبْعَدْتُ فِي شَأْوِي
وَأَصْبَحْتُ مَرْهُوبَ اللِّسَانِ، كَأَنَّنِي … سعرتُ لظى بينَ الحضارة ِ والبدوِ
فَيَا عَجَبَا لِلْقَوْمِ يَبْغُونَ خُطَّتِي … وَ ما خطوهمْ خطوي ، وَ عدوهمْ عدوي
يَرُومُونَ مَسْعَاتِي، وَدُونَ مَنَالِهَا … مَرَاقٍ تَظَلُّ الطَّيْرُ مِنْ بُعْدِهَا تَهْوِي
فَإِنْ تَكُ سِنِّي مَا تَطَاوَلَ بَاعُهَا … فَإِنِّي جَدِيرٌ بِالإِصَابَة ِ فِي الأَتْوِ
لَقُلْتُ، وَقَالُوا، فَاعْتَلَوْتُ، وَخَفَّضُوا … وَلَيْسَ أَخُو صِدْقٍ كَمَنْ جَاءَ بِاللَّغْوِ
وَمَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّنِي بِتُّ سَاهِراً … وَنَامُوا، وَمَا عُقْبَى التَّيَقُّظِ كَالْعَفْوِ
فَأَصْبَحْتُ مَشْبُوبَ الزَّئِيرِ، وَأَصْبَحَتْ … كَأَكْلُبِ حَيٍّ بَيْنَ دَارَاتِهِ تَلْوِي