تَدَاوَلَ قَلبِي وَجْدُهُ فِيكَ وَالذِّكْرُ – خليل مطران
تَدَاوَلَ قَلبِي وَجْدُهُ فِيكَ وَالذِّكْرُ … فَهَذَا لَهُ لَيْلٌ وَهَذا لهُ فَجْرُ
وَكِدْتُ أَحِبُّ السُّهْدَ مِمَّا أَلِفْتُهُ … وَكَادَ لِطولِ الصبْرِ يَحْلُو لِيَ الصَّبْرُ
وَأَنْكَرَ قوْمي فِي هوَاكَ تَجَرُّدي … عَلَى زَعْمِ أَنَّ الزُّهْدَ آفَتُهُ العُسرُ
أَعُسْر بمَنْ يَهْوَى وَأَنْتَ لَهُ الْغِنَى … إِذَنْ فَثَرَاءُ الْعَالَمينَ هُوَ الْفَقرُ
مُحِبكَ لا يَشْقى وَأَنْتَ نعيمُهُ … وَصَبَّكَ لاَ يَصْدَى وَأَنْتَ لهُ القَطْرُ
سِوَى أَنَّنِي شَاكٍ نَوَاكَ وَذَاكِرٌ … تَبَارِيحَ وَجْدِي يَوْمَ فرَّقَنَا الهَجْرُ
زَجَرْتُ فؤَادِي أَنْ يَبوحَ بِحُزْنِهِ … فَبَاحَتْ بِهِ عَيْنِي وَلَم يَنْفَع الزَّجْرُ
وَمَا زَجْرُكَ الْكَأْسَ الدِّهَاقَ بِخَمْرِهَا … إِذا هِيَ سَالَت عَن جَوَانِبِهَا الخمْرُ
فَكاشَفْتُهَا مَا بِي وَإِنَّ افْتِضَاحَهُ … لأَيْسَرُ لِي مِنْ أَنْ يُرَدَّ لَهَا أَمْرُ
جَلاَ الدَّمْعُ نَفْسِي مِنْ خَبَايَا سَرَائِرِي … تَلُوحُ وَلا كَتْمٌ وَتُجْلى وَلاَ سِتْرُ
فَزَالَ قِنَاعِي عَنْ ضَمِيرٍ مُطَهَّرٍ … يُصَانُ بِهِ عُرْفٌ وَيُنْفَى بِهِ النُّكْرُ
وَعَنْ جَائِلٍ مِنْ دُونِهِ البَرْقُ سُرْعَةً … وَنُوراً فَلاَ بُعْدٌ يَعُوقُ وَلاَ سِتْرُ
وَعَنْ خَافِقٍ مِلءَ الْوَفاءِ خُفُوقُهُ … عَجِبْتُ لهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ الصَّدرُ
وَعَنْ نَافِحٍ طِيبَ الرِّيَاضٍ مُنَوَّرٍ … بِأجْمَلِ مَا تَزهو الرَّيَاحِينُ وَالزهْر
هُنالِكَ مَثوَى حُبِّهَا وَمَثارُهُ … وَمسْطَعُهُ الأَذْكَى وَمَنْبِتُهُ النَّضْرُ
هَوى مِلْءَ رُوحٍ فِي ضَئِيلٍ مُخَيَّلٍ … ولَكِنَّني إِنْ أُبْدِهِ امْتَلأَ العَصْرُ
وَقَدْرُ الْهَوَى فِي ذِي الْهَوَى قَدْرُ نَفْسِهِ … وَمِرْآتُهُ قلْبُ المُتَيَّمِ وَالفِكْرُ
وما يَسْتوِي فِي الحُبِّ أَرْوَعُ فاضِلٌ … وَأَحْمَقُ مَذْمُومٌ خَلاَئِقهُ غِرُّ
وما يَسْتوِي وُدٌّ هُوَ الغُنْمُ لِلْوَرَى … كوُدِّ ابْنِ تَوْفِيقٍ وَوُدٌّ هُوَ الْخُسْرُ
رَعَتْكَ عُيونُ اللّهِ يَا ابْنَ محَمدٍ … كَمَا أَنْتَ ترْعَانَا ورَائِدُكَ الْبرُّ
تَعَهَّدْ ثُغُورَ المُلْكِ أَيّاً تَحُلُّهُ … فَذَاكَ لَهُ قَلْبٌ وَسَائِرُهُ الثَّغرُ
يقُومُ لَدَيْكَ النَّاسُ فِي خَيْرِ مَحْفِلٍ … ويَسْتقَبِلُ الإِجْلاَلَ رَكْبَكَ وَالبِشْرُ
وَتبْذلُ حَبَّات الْقُلُوبِ كرامَةً … لدَيكَ وَيُزْرِي أَنْ يَضَنَّ بِهِ التِّبرُ
يُنَادُونَ عَبَّاساً نِدَاءَ تَيمُّنٍ … وَيَدْعُونَ أَنْ يحْيَا وَتحْيَا بِهِ مِصْرُ
ودَعْوَاهُمُ حَمْدٌ لَهُ وَملاَمَةٌ … لأَهْلِ نُذُورٍ لاَ يُوَفَّى لَهُمْ نَذرُ
أَعَبَّاسُ إِنْ تَكْبُرْ على النَّاسِ هِمَّةً … فَأَيْنَ مَقامُ النَّاسِ مِنْكَ وَلاَ فَخْرُ
تُرِيدُ اللَّيَالِي مِنْكَ مَا لاَ تُرِيدُهُ … لَكَ الْحَقُّ وَالآمَالُ وَالْهِمَمُ الْغُرُّ
فإِن ظَلَمَتَ حُرّاً وسَاءَكَ ظُلْمُهُ … فأجْمِلْ بِهَا عُقْبى يُسَرُّ بِهَا الْحُرُّ
لَكَ التَّاجُ زَانَتْهُ الْخِصَالُ بِدُرِّهَا … فَزِدْهُ لِحِينٍ دُرَّةً وهِيَ الصَّبْرُ
لَكَ النِّيلُ مَوْكُولاً لأَمْرِكَ أَمْرُهُ … بِحَقٍ مِنَ المِيرَاثِ أَيَّدهُ النَّصْرُ
لَكَ المُلْكُ مَوْفُورَ السلاَمَةِ هَانِئاً … شقِيّاً بِهِ المُشْقِي مُصَاباً بِهِ الضُّرُ
أَموْلاَيَ إِنْ مَرَّتْ بِبَدْرٍ سَحَابَةٌ … فمَا كسَبَتْ نُوراً وَلاَ أَظْلمَ الْبدْرُ
تمُرُّ بَعِيداً عَنْ مَعَالِي سَمَائِهِ … وَتَمْضِي عُبوساً وَهْو جَذْلاَنُ يَفْتَرُّ