تَحِيَّةً يَا حُمَاةَ الْبِلْجِ يَا أُسُدُ – خليل مطران

تَحِيَّةً يَا حُمَاةَ الْبِلْجِ يَا أُسُدُ … هَذِي المَوَاقِفُ لَمْ يَسْبِقْ بِهَا أَحَدُ

طَاغٍ أَلَمَّ بِكُمْ وَهْناً يُرَاوِدُكُمْ … عَنْ عِصْمَةِ الدَّارِ لاَ يَعْتَاقُهُ رَشَدُ

لِيَسْتَبِيحَ كَمَا تَهْوَى مَطَامِعُهُ … مَحَارِمَ الْعَهْدِ لاَ يَلْوِي بِهِ فَنَدُ

قَدْ غَرَّهُ الْعَدَدُ الْجَرَّارُ مُجْتَمِعاً … مِنْ جَيْشِهِ وَالسِّلاَحُ الْجَمُّ وَالْعُدَدُ

وَمَا دَرَى أَنَّهُ لَوْ نَالَ مِدْفَعُهُ … أَرْسَى الْقِلاَعِ فَدُكَّتْ وَهْيَ تَتَّقِدُ

وَأَنَّهُ لَوْ مَشَى فِي جَحْفَلٍ لَجِبٍ … كَالنَّارِ تَمْتَدُّ أَوْ كَالمَوْجِ يَطَّرِدُ

لَمْ تُولِهِ الْمُفْنِيَاتُ السُّودُ أَجْمَعُهَا … رِقَابَ بِضْعَةِ شُجْعَانٍ بِهِمْ جَلَدُ

عَدَا عَلَى الْحَقِّ وِلِهِلْمٌ يُجَرِّئُهُ … دَاءَانِ فِيهِ طُمُوحُ النَّفْسِ وَالْحَسَدُ

أَيَغْلِبُ الْحَقَّ لَوْ أَمْسَتْ فَيَالِقُهُ … عَنْ حَيِّزَيْهَا يَضِيْقُ الأَيْنُ وَالأَمَدُ

إَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالنَّصْرَ الْخَلِيقَ بِهَا … مَا يَفْعَلُ الْبَأْسُ لاَ مَا يَفْعَلُ الْعَدَدُ

فَكَيْفَ وَالْخَلْقُ إِجْمَاعاً قَدِ ائْتَمَرُوا … عَلَى مُقَاتَلَةِ الطَّاغُوتِ وَاتَّحَدُوا

حَمَى الْبِرِيطَانُ غِشْيَانَ الْبِحَارِ عَلَى … سَفِينِهِ فَهْوَ لاَ رِزْقٌ وَلاَ بُرُدُ

وأَيَّدُوا بِالسَّرايَا الْغُرِّ جَارَتَهُمْ … فَكَانَ خَيْرَ مُجِيرٍ ذَلِكَ المَدَدُ

قَلُّوا سَوَاداً وَجَازَ الْحَصْرَ مَا فَعَلُوا … حَتَّى لَيَذْكُرَهُ النَّائِي فَيَرْتَعِدُ

عَزَّتْ فَرَنْسَا بِهِمْ فِي جَنْبِ فِتْيَتِهَا … لِلّهِ فِتْيَتِهَا وَالمَجْدُ مَا مَجدُوا

يُكَافِحُونَ بِلاَ رِفْقٍ وَلاَ مَلَلٍ … نُمْرودَ حَتَّى يَخِرَّ الْعَرْشُ وَالْعَمَدُ

وَالرُّوسُ مِنْ جَانِبٍ ثَانٍ تُلِمُّ بِهِ … إِلمَامَ غَيْرِ محِبٍّ قُرْبهُ لَدَدُ

جَيْشٌ خِضَمٌّ صَبورٌ طَيِّعٌ شَكِسٌ … نَاهِيكَ بِالْجَيْشِ إِذْ يَحْدُوهُ معْتَقَدُ

يَقُصُّ مِنْ كَبِدِ النَّمْسَا لِيَتْرُكَهَا … وَرَاءَهُ مَا بِهَا جِسْمٌ وَلاَ كَبِدٌ

حَتَّى إِذَا مَا دَهَى الألَمانَ صَبَّحَهُمْ … وَمَلْكُهُمْ بَعْدَ تَوْحِيدِ الْقُوَى بَدَدُ

نَصْراً لأَعْوَانِهِ الصَّرْبِ الأُولى خَلَبوا … نُهَى الرِّجَالِ بِمَا أَبْلَوْا وَمَا جَهَدُوا

وَالْعِصْبَةِ الْجَبَلِيِّينَ الَّذِينَ أَرَوْا … كَيْفَ انْتِقَامَ أَبِيٍّ وَهْوَ مضْطَهَدُ

وِلْهِلمُ يَا مَنْ رَمَى طَيْشاً بِأُمَّتِهِ … مَرْمَى الْفَنَاءِ وَبِئْسَ الْحَوْضُ مَا تَرِدُ

تمْضِي اللَّيَالِي وَيَدْنُو يَوْمُ صَرْعَتِكم … بِمَا فَسَدْتَ عَلَى الدُّنْيَا وَمَا فَسَدُوا

هُدُّوا الكَنَائِسَ دُكُّوا الْجَامِعَاتِ قِلىً … أَفْنُوا النَّفَائِسَ لاَ تُبْقُوا وَتَقْتَصِدُوا

ذُودُوا المَرَاحِمَ وَاقْسُوا جُهْدَ فِطْرَتِكمْ … وَإِنْ تَفُتْكُمْ فُنُونٌ مِنْ أَذىً فَجِدُوا

وَلْيَهْنِكُمْ كُلُّ بَيْتٍ فِيهِ بَثُّ أَسَى … وَنَدْبُ مَيْتٍ وَقَلْبٌ شَفَّهُ الكَمَدُ

وَكُلُّ رَوْضٍ ذَوَتْ فِيه نَضَارَتُهُ … وَنَاحَ بَعْدَ غِنَاءٍ طَيْرُهُ الْغَرِدُ

غَداً يُؤَدِّي حِسَاب لا رِوَاغ بِهِ … مِنْ شَرِّ مَا يَقْتَنِي للظَّالِمِينَ غَدُ

قِصَاصُ حَقٍّ لِجَانٍ مِنْ مَطَامِعِهِ … طَغَى عَلَى الْعَالَمِينَ الْبُؤْسُ وَالنَّكَدُ

مشَى لِيَفْتَتِحَ الدُّنْيَا بِهِ حَرَدٌ … بِلاَ اكْتِرَاثٍ لِمَغْضُوبٍ بِهِ حَرَدُ

يَعْلُوهُ مِنْ كِسَرِ التَّيْجَانِ تَاجُ مُنىً … ضَخْمُ الصِّيَاغَةِ مِمَّا لاَ تُجِيدُ يَدُ

فَمَا خَطَا خُطْوَةً حَتَّى كَبَا فَإِذَا … بَيْنَ الرُّكَامِ الدَّوَامِي تَاجُهُ قِدَدُ

بَنِي الشَّآمِ أَعَزَّ اللهُ مَعْشَرَكُمْ … فَكَمْ لَكُمْ هِمَّةٌ مَحْمودَةٌ وَيَدُ

رَعَيْتُمُ لِبَنِي مِصْرَ قَرَابَتَهُمْ … كَمَا عَطَفْتُمْ عَلَى الجَرْحَى وَإِنْ بَعدُوا

حَيَّاكُمُ اللهُ مِنْ قَوْمٍ أُولِي كَرَمٍ … لَمْ يَبْرَحُوا فِي المَعَالِي عِنْدَ مَا عَهِدوا

لمْ يَغْلُ مَنْ قالَ فِيكُمْ إِنَّكُمْ أُسُدٌ … تِلْكَ الْفَعَائِلُ لِمْ يَسْبِقْ بِهَا أَحَدُ

أَلْبِرْتُ يَا مَالِكاً أَبْدَتْ فَضَائِلُهُ … أَنَّى تُصَانُ الْعُلَى وَالعِرْضُ وَالْبَلَدُ

كَذَا الْوَدَاعَةُ فِي أَبْهَى مَظَاهِرِهَا … كَذَا الشَّجَاعَةُ وَالإِقْدَامُ وَالصَّيَدُ

نَصَرْتَ شَعْيَكَ فِي الْحَرْبِ الضَّروسِ وَلَ … مْ تًخْطِئْهُ حِينَ اسْتَتَبَّ السَّلْم مِنْكَ يَدُ

فِي كُلِّ شَأْنٍ ترَقِّيهِ وَتَعْضُدُهُ … رَأْياً وَسَعْياً فَأَنْتَ الرَّأْسُ وَالْعَضُدُ

وَلِلْمقِيمِينَ حَظُّ النَّازحِينَ فَهُمْ … بَنُوكَ إِنْ قَرُبُوا دَاراً وَإِنْ بَعدوا

عَيْنُ الْعِنَايَةِ يَقْظَى فِي كِلاَءَتِهِمْ … بِعَيْنِ ذَاكَ الَّذِي فِي ظِلِّهِ سعِدوا

وَزَادَ غِبْطَتَهُمْ بِالْعَيْشِ أَنَّ لَهُمْ … مَلِيكَةً أَوْرَدَتْهُمْ صَفْوَ مَا تَرِدُ

لَيْسَتْ بأَكْبَرِهِمْ سِنّاً وَمَا بِرِحَتْ … أُمّاً رَؤوماً تُوَاسِيهِمْ وَتَفْتَقِدُ

وَهذَّبَتْ بِقَوْيِمِ السَّيْرِ نِسْوَتَهُمْ … فَمَا بِهِنَّ وَقَدْ جَارَيْنَهَا أَوَدُ

شَفَّتْ زَوَاهِي حَلاَهَا عَنْ خَلاَئِقِهَا … يَزِينُهُنَّ سُمُوُّ الرَّأْيِ وَالسَّدَدُ

يَا أَيُّهَا المَلِكَانِ المُحْتَفِي بِهِمَا … عَزِيزُ مِصْرٍ وَقَوْمٌ حَوْلَهُ مُجُدُ

مِن بُكْرَةِ الدَّهْرِ بِالمَعْروفِ قَدْ عُرِفُوَا … وَعَهْدُهُمْ فِي وَفَاءِ الْفَضْلِ مَا عُهِدُوا

رَأَيْتُمَا مِنْ سرورٍ ظَاهِرٍ بِكُمَا … مِثَالَ مَا أَضْمَرُوا وُدّاً وَمَا اعْتَقَدوا

هَذَا الرَّبِيعُ أَتَتْ وَفْقاً بَشَائِرُهُ … بِمَا تَقَرُّ بِهِ الأبْصَارُ إِذْ يَفِدُ

أَهْدَى شَذَاه وَأَبْدَى لُطْفَ زِينَتِهِ … وَأَحْسَنَ الْحَمْدُ فِيهِ الطَّائِرُ الْغَرِدُ