تولدتَ عني وعن واحدٍ – محيي الدين بن عربي
تولدتَ عني وعن واحدٍ … فسميتَ بالغائبِ الشاهدِ
فلولا قبولي وأسماؤهُ … لما كنت عني وعن واحد
فيا منْ هوَ النعتُ في عينهِ … ومَن نعتُه ليس بالزائدِ
لقدْ رُمتُ أمراً فلمْ أستطع … كما رامَه الصيدُ بالصائدِ
تراوغُ عنْ سهمهِ قاصداً … وأين الفِرارُ من القاصدِ
ومنْ أعجبِ الأمرِ أني بهِ … صدرت ولم يك عن واردِ
وكيفَ الصدورُ وما في الصدورِ … سوى مقبلٍ عنه أو شارد
تعاليتُ لما تعاليتم … وما أنت بالواحد الواجد
أنا واحدٌ واجدٌ كونكمْ … ولستُ لعيني بالفاقد
أنا ثابتٌ لستُ عن مثبت … كما أنا عن موجدٍ ماجدِ
فإنّ غناه وإنَّ افتقاري … دليلٌ لذي النظر الفاسد
وكيفَ الغنى والذي عندنا … منْ أسمائِهِ بالغنى شاهدي
فإن غناه بأعياننا … محالٌ عليهِ لدى الناشدِ
ولكنه مثلُ ما قاله … غنيٌّ عن العالم الراصد
وذاك الغنيُّ بلا مِرية … وإياكَ من نفثة ِ العاقدِ
تعالى عن الفقر في ذاته … علوّ الحفيظِ على الراقد
تعوذتُ منهُ بهِ مثلَ ما … تعوذتُ منْ غاسقٍ حاسدِ
فنعتي الإقامة ُ في موطني … كما نعته عنهُ بالوافدِ
فينزلُ ربي إلى خلقِه … ولا وَصْفٌ للخلقِ بالصَّاعد
إليهِ ولكنْ لآياتِهِ … كما جاءَ في المحكمِ النافدِ
يقرّ ويجحَدُ إقرارُه … وأينَ المقرُّ منَ الجاحدِ
أزينهُ وهوَ ليْ زينة ٌ … كما زيّن القلبُ بالساعدِ
طردتَ الذي لم تُرد قربَه … وسميتَ عبدَك بالطاردِ
إذا امتحن الله عبّادَه … نفوزُ بمعرفة ِ العابدِ
كما الأمُّ تضربُ أولادها … لتظهر مرتبة ُ الوالدِ
دعاني إلى رفدهِ جودهُ … وما كلُّ من سارَ كالقاعدِ
فسيري به مثلَ سيري له … فأنعتُ بالسائقِ القائد
أذودُ الردى عنْ جنابِ الهدى … لا علمَ في الناسِ بالذائدِ
وما ذدته عنه إلاّ به … فيا خيبة َ العالمِ الحائدِ