تعشقْتُ نفساً ما رأيت لها عيناً – محيي الدين بن عربي
تعشقْتُ نفساً ما رأيت لها عيناً … وما سمعتْ أذناي فيها من الخلقِ
كلاماً يؤديني إلى حسنِ عينها … فعشقي لها بالاتفاقِ وبالوفقِ
مناسبة تخفى على كلِّ ناظر … ويعلمُها العلامُ بالرتقِ والفتقِ
أشاهد منها كلَّ سرٍّ محجبٍ … وما لي فيها غير ذلك من حَقِّ
وليس حجابي غير كوني فلو مضى … قعدت مع المحبوبِ في مقعد الصدق
وهذا محال أن يكون ذهابه … فما ثمَّ صفوٌ لا يخلطُ بالرفقِ
تجلّى لنا بالأفْقِ بدراً مكملاً … وإنَّ فؤادي لا يجنُّ إلى الأفقِ
وإنْ كان حقاً فالمجالي كثيرة … وشرعي نهاني عنه في حلبة ِ السبْقِ
لقد أوَّبَ الحقُّ العليمُ بلادنا … نفوسَ عبادٍ حظها الوهم إذْ يلقي
وسرَّحني في كلِّ وجه بوجهة … ولمْ يتقيدْ لي بغربِ ولا شرقِ
وفرقَ لي ما بينَ كوني وكونِهِ … وإنَّ وجودَ السعد في ذلك الفرق
تعالى فلم تَعْلم حقيقة ُ ذاتِه … سَغِلت فلم أجهل فحدِّي في نُطقي
ولمْ أدرِ أنَّ الحدَّ يشملُ كونِهِ … وكوني إذا كانتْ هويته خلقي
كما جاءَ في الوحيِ المقررِ صدقهُ … على ألسنِ الأرسالِ والقولُ للحقِّ
بهِ يسمعُ العبدُ المطيعُ بهِ يرى … بهِ يظهرُ الأفعالَ في الفتقِ والرتقِ
لو أنَّ الذي قد لاح منه يلوح لي … ولا شرع عندي ما جنحتُ إلى الفِسْقِ
وكنتُ بما قد لاح لي في بصيرة ٍ … فقيدني بالشرعِ كشفاً وما يبقي
خلافاً فإنَّ الأمرَ فيهِ لواحدٍ … ولا ينكرُ الحقَّ الذي جاءَ بالحقِّ
إلهي يحب الرفقَ في الأمر كله … كذلك أهلُ اللهِ يأتونَ بالرفقِ
لقد شاهدتْ عيني ثلاثَ أسرَّة … وفي ثالثٍ منها ازورارٌ من العرقِ
وأخرهُ عنْ صاحبهِ اعتراقُهُ … وكلٌّ لهُ شربُ رويٍّ منَ الحقِّ
موازينُ لا تخطيكَ فالوزنُ قائمٌ … ولا سيما في عالم الحبِّ والعشق
ظفرتُ بهِ حقاً جلياً مقدساً … ولا حقَّ إلا ما تضمنه حقي
نطقتُ به عنه فكان منطقي … وقد زاد في الإشكالِ ما بي من النطقِ
تقسم هذا الأمر بيني وبينه … فها هو في شِقٍّ وها أنا في شِقِّ
وصورة ُ هذا ما أقولُ لصاحبي … أنا عبد قنٍّ وهو لي مالك الرِّق
عبودية ٌ ذاتية ٌ لم أزل بها … وما لي عنها من فكاك ولا عتق
إذا رزق العبدُ التهي لنيلِ ما … يكون من الرزاق من خالصِ الرزق
وما رزق الإنسان أعلى من الذي … يحصِّلثه بالعينِ في لمحة ِ البرقِ
فذلكَ رزقُ الذاتِ ما هوَ غيرهُ … وآثاره فينا الذي كان في الوَدْق