تعجبُ من صبري على ألوانها – مهيار الديلمي

تعجبُ من صبري على ألوانها … في وصلها طوراً وفي هجرانها

تحسبُ أنّ لوعتي ودمعتي … من قلبها القاسي ومن أجفانها

وكلاءُ من كلّفها وثيقة … كلَّفها ما ليس من أديانها

تسلِّط البلوى على عشّاقها … تسلُّطَ الحنثِ على أيمانها

ينصل ما يُعقد من عهودها … نصولَ ما تخضبُ من بنانها

الودُّ بالقلبِ ودعوى ودِّها … لا تتعدَّى طرفيْ لسانها

فكلّما أعطتك في محبة ٍ … زيادة ً فاقطع على نقصانها

وقفتُ أسترجعُ يومَ بينها … قلبا شعاعا طاح في أظعانها

ولم يكن منّى إلا ضلَّة ً … نشدانُ شيءٍ وهو في ضمانها

بانت وبقتنيوليس خلفا … على ظباءِ رامة ٍوبانها

فما خدعتُ عن لحاظ عينها … بما رنا إليَّ من غزلانها

ولا عتبتُ عن تثنِّي قدّها … بأن أحالتني على أغصانها

يا للغواني وقوى فتكاتها … مع ضعفِ ما نغمزُ من عيدانها

بل لا عجيب ما نراه شيمة ً … من نكثِ قاسيها ومن خوانها

مع الذي نقِّصَ من حلومها … وضعفتْ ألبابها من شانها

فقد سرى الغدرُ إلى أفاضل الر … جالِ واستولى على أعيانها

وضاع ما استسلفَ من ذمامها … بيضَ تناسيها إلى نسيانها

فسيرة النساء في عشَّاقها … من سيرة الرجال في إخوانها

وكنتُ عبدَ خير مولى ً علِّقتْ … به المودات عرى أقرانها

وسارت العيسُ بحسنِ ذكره … منشوطة ً تمرح في أرسانها

ملهبة ٌ سوقُ الوفاءِ عنده … لا يُخمدُ الجفاءُ من نيرانها

إذا رأى مكرمة ً مبتاعة ً … غالى بها وزاد في أثمانها

فغيَّرته شيمٌ مجلوبة ٌ … ما شاور الحفاظَ في إتيانها

لم أكُ في تحرُّزي أخافهُ … بسيّءِ الظنّ على استحسانها

صدَّ كأنْ ما ضمَّنا ربعُ هوى ً … تصبو له النفسُ إلى أوطانها

ولا قرنتُ حبّة َ صبابة ً … لا يطمع العاذلُ في سلوانها

ولا تدرَّعتُ بوصفِ فضلهِ … في حلبة ٍ برَّزتُ في ميدانها

بكلِّ متروكٍ لها طريقها … ملقى ً إليها طرفا عنانها

لا تطمعُ الألسنُ أن تروضها … على قواها أو على بيانها

خدعتها بالمكرِ حتى نفثتْ … عزيمتي في عقدتيْ شيطانها

لو قدمت لم يروَ شئٌ غيرها … لكنني أوتيت من حدثانها

يسمعها قومٌ وليسوا قومها … في زمنٍ وليس من أزمانها

فماله أخافها بنكثهِ … مع الذي قدَّم من أيمانها

أما اجتنى لعرضهِ من طيبها … ما تجتنى الروضة ُ من ريحانها

فقل له على نوى الدار به … وما التوى واشتدّ من أشطانها

هل أنت عزَّ الملك يوماً عائدٌ … للوصل أم ماضٍ على هجرانها

وهل صبرت ساليا أو ناسيا … عن حسنها البادي وعن إحسانها

أما عهودي لكمُ مشيدة ٌ … لا يطمع الهادمُ في بنيانها

ونحلتي فيكَ كما عرفتها … لم ينتقص كفركَ من إيمانها

وفي فؤادي لهواك رتبة ٌ … لا يصل العشقُ إلى مكانها

يستأذنُ الناسُ عليها فمتى … ما حجبوا فادخل بلا استئذانها

فإن تعدْ تعُدْ إلى خلائق … ما زلتَ محسودا على حسانها

وطالما شاورتَ نفساً حرّة ً … من همّها المجدُ ومن أشجانها

تقبَّلتْ سماحها وفخرها … عن طيِّها إرثا وعن شيبانها

وإن يُحلكَ ما استفدتَ بعدنا … من ورق الدنيا ومن أفنانها

وإن وقعنا وارتفعتَ طائرا … تطلعكَ السماءُ من أعنانها

في دولة ٍ لمّا دعيتَ نجمها … كنتَ مدار السعدِ في قرانها

كسوتها سربالَ مجدٍ لم تكن … تعرفه قبلك في أعوانها

فسعة ُ الأنفس وانبساطها … يبينُ في العزّة ِ من سلطانها

وليس إلا الصبرُ والشكرُ على … سلامة ِ الصدور أو أضغانها

بعدتَ فاعلم أنّ شمسَ بابل … عندي بلونٍ ليس من ألوانها

تبصرها عيني مذ فارقتها … بمقلة ٍ شخصك في إنسانها

فما رأتْ مغناك أو تمثَّلتْ … دارك إلا شرقتْ بشانها

وكيفَ يغنى الفضلُ أو أبناؤه … بريع دارٍ لستَ من سكّانها

لا نارها نارُ القِرى وإن ورتْ … فليس للجارِ سوى دخانها

فاسلم قريبا أو بعيدا إنّما ال … علياءُ أنَّى كنتَ في أوطانها

وراعِ فيَّ همّة ً أهزلتها … بالصدِّ وارجعْ بي إلى إسمانها

وادللْ على كسبِ العلا في صلتي … عشيرة ً غررتُ في امتحانها

جرَّبتُ أخرى قبلها ظالمة ً … كنتَ عليَّ أنتَ من أعوانها

لم يكُ عن قصدٍ ولكن رمتَ لي … ثمارها عن غير ما إبَّانها

فربَّما غطَّى ارتياض هذهِ … على وقوفِ تلك أو حرانها

فما تضلُّ أعينٌ عن فقَرى … وأنت تحدوها إلى آذانها