تركتُ حَشاكَ وسلوانَها – حيدر بن سليمان الحلي

تركتُ حَشاكَ وسلوانَها … فخلِّ حشايَ وأحزانَها

أغض الشبيبة عني إليك … فقضِّ بزهوك ريعانها

ودعني اصارع همي وبت … ضريع مُدامك نَشوانها

قد استوطن الهمُّ قلبي فعفتُ … لك الغانياتِ وأوطانها

عدوت ملاعب ذات الأراك … فلست ألاعب غزلانها

وعفتُ غدائر بيض الخدود … فما أنشِقُ الدهر ريحانها

افق لست أول من لامني … على وصل نفسي تحنانها

فكم لي قبلك لوامة … تشاغلت مطرحاً شانها

تريني بالعذل غشفاقها … وفيه تلوّنُ ألوانَها

تُناشدني الصبر لكن تُريدُ … أن أعرف اللهو عرفانها

وما هي مني حتى تخاف … عليَّ الهمومَ وأشجانها

وما في ضلوعي لها مهجة ٌ … عليها تحاذرُ نيرانها

ولا بَين جفنيَّ عينٌ لها … من الكحل أغسل اجفانها

ولو ضمنت أضلعي قلبها … سلوت النوائب سلوانها

ولو وجدت بعض ما قد وجدتُ … لبلّت من الدمع أردانها

خَلا أنها مذ رأتني غدوتُ … لهيفَ الحشاشة حرّانها

فقالت أجدّك من ذي حشاً … جوى الحزنِ لازمَ ايطانها

لمن حُرقُ الوجد تذكي وراء … حنايا ضلوعك نيرانها

وتشجيك كل هتوف العشي … تردّد في الدوح ألحانَها

تسلَّ وبالله لما اغتنمت … من جدّة اللهو إبّانها

فقلت سلوتُ إذاً مُهجتي … إذا أنا حاولت سلوانها

كفاني ضناً أن ترى في الحسين … شفت آلُ مروان أضغانها

فأغضبت الله في قتله … وأرضت بذلك شيطانها

عشيّة َ أنهضها بَغيُها … فجاءته تركب طغيانها

بجمع من الأرض سد الفروج … وغطّى النجودَ وغيطانها

وطا الوحشَ إذ لم يجد مهرباً … ولازمت الطيرُ أوكانها

وحفّت بمن حيثُ يلقى الجموع … يثني بماضيه وحدانها

وسامته يركبُ إحدى اثنتين … وقد صرّت الحربُ أسنانها

فأمّا يُرى مذعناً أو تموت … نفس أبي العز إذعانها

فقال لها اعتصمي بالأباء … فنفسُ الأبيّ وما زانَها

إذا لم تجد غير لبس الهوان … فبالموت تنزعُ جُثمانها

رأى القتل صبراً شعار الكرام … وفخراً يزين لها شأنها

فشمَّر للحرب في مَعركٍ … به عرك الموتُ فِرسانها

وأضرمها لعنان السماء … حمراءَ تلفحُ أعنانها

ركينٌ وللأرض تحت الكماة … رجيف يزلزل ثهلانها

أقرُّ على الأرض من ظهرها … إذا ململ الرعب اقرانها

تزيد الطلاقة ُ في وجهه … إذا غيَّر الخوفُ ألوانها

ولمّا قضى للعُلى حقَّها … وشيد بالسيف بنيانها

ترجّل للموت عن سابقٍ … له أخلت الخيلُ ميدانها

ثوى زائدَ البِشر في صرعة ٍ … له حبّب العزُّ لُقيانها

كأَنَّ المنيّة كانت لديه … فتاة ٌ تواصل خِلصانها

جلتها له البيض في موقف … به أثكل السمر خرصانها

فبات بها تحت ليلِ الكفاح … طروب النقيبة جذلانها

وأصبح مشتجراً للرماح … تحلي الدما منه مرانها

عفيراً متى عاينته الكماة … يختطف الرعب الوانها

فما أجلت الحرب عن مثله … صريعاً يجبّن شُجعانها

تريب المحيا تظن السماء … بأنَّ على الأرض كيوانها

غريباً ارى ياغريب الطفوف … توسُّدَ خديك كثبانها

وقتلك صبراً بأيدٍ أبوك … ثناها وكسر أوثانها

اتقضي فداك حشا العالمين … خميص الحشاشة ضمأنها

ألستَ زعيمَ بني غالبٍ … ومِطعامَ فهر ومطعانها

فلِم أغفلت بك أوتارَها … وليست تعاجل امكانها

وهذي الأسنة والبارقات … اكالت يد المطل هجرانها

وتلك المطهمة المقربات … تجر على الأرض ارسانها

أجبناً عن الحرب يامن غدوا … على أوّل الدهر أخدانها

اترضى أراقمكم ان تعد … بنو الوزغ اليوم أقرانها

وتنصب اعناقها مثلها … بحيث تطاول ثعبانها

يميناً لئن سوفت قطعها … فلا وصل السيف أيمانها

وإن هي نامت على وِترها … فلا خالطَ النومُ أجفانها

تنامُ وبالطفِّ علياؤها … أُمية تنقضُ أركانها

وتلك على الأرض من أُخدمت … وربِّ السماوات سكّانها

ثلاثاً قد انتبذت بالعراء … لها تنسج الريح اكفانها

مصابٌ أطاشَ عقولَ الأنام … جميعاً وحير اذهانها

عليكم بني الوحي صلى الأله … ماهزت الريح افنانها