تربَّعتْ بينَ العذيبِ فالنَّقا – مهيار الديلمي

تربَّعتْ بينَ العذيبِ فالنَّقا … مرعى ً أثيثاً ومعيناً غدقا

وبدِّلتْ منْ زفراتِ عالجٍ … ظلائلاً منَ الحمى وورقا

ترتعْ في منحاتٍ بدنا … كما اشتهتْ ربيقة ً أنْ تطلقا

فدبَّ فيها الخصبُ حتى رجعتْ … سدائساً بزلاً وكانتْ حققا

فكلَّما تزجرها حدَّاتها … رعى الحمى ربَّ الغمامِ وسقى

وإنَّما ذلكَ لينفضنَ لنا … إلى ديارِ الظَّاعنينَ الطُّرقا

حواملاً منَّا هموماً ثقلتْ … وأنفساً لمْ تبقِ إلاَّ رمقا

يحملننا وإنْ عزينَ قصباً … وإنْ دمينَ أذرعاً وأسؤقا

واصلة ً منْ يردُّ جنبهُ … عنْ ليلها وإنْ سئمنَ العرقا

خلنَ لها فرجاً فخلنَ وقعها … في آلٍ وهي طوافٍ عرقا

نواصلاً منْ غمرة ٍ فس غمرة ٍ … لا يعلقُ السَّيلُ يها تدفُّقا

دامَ عليها اللَّيلُ حتى أصبحتْ … تحسبُ فجرَ ذاتِ عرقٍ شفقا

ومنْ لها ومنْ لنا يخبرنا … عنْ ظبياتٍ عاقلٍ أنْ يصدقا

وعنْ قلوبٍ رحنَ في قبابها … لو نضحَ الماءُ عليها احترقا

يا حبَّذا المعرضِ عنْ سلامنا … برامة ٍ سالفة ٍ وعنقا

وحبَّذا حيٌّ إذا شنُّوا الوغى … شاموا السُّيوفُ واستسلوا الحدقا

ورامياتٍ لا يؤدينَ دماً … ولا يبالينَ أسالَ أمْ رقا

وقفنَ صفَّاً فرأينَ شركاً … منْ القلوبِ فرمينَ طلقا

ولا منْ كنَّ الرَّدى بأمرهِ … لولا القلوبَ لمْ يجدنَ مرشقا

منْ راكبٌ تحملهُ إلى الهوى … أختُ الهواءِ نزوة ً وقلقا

عرِّجْ على الوادي وقلْ عنْ كبدي … للبانِ ما شئتَ الجوى والحرقا

واحجر على عينيكَ حفظاً أنْ ترى … غصنينِ منهُ دنيا فاعتنقا

فطالما استظللتهُ مصطحباً … سلافة َ العيشِ بهِ مغتبقا

أيَّامُ لي على المها بلمَّتي … إمارة ٌ أرجى لها وأتقى

وفي يدي منَ القلوبِ حبِّها … أملكها صبابة ً وعلقا

والبينُ ما استنبحَ لي كلباً ولا اس … تنعبَ في شملي غراباً أحمقا

وشربُ جارتي منى ً ومشربي … منْ منهلٍ إما صفا أو رنقا

أمشي وقدْ رصعنني بأعينٍ … تكحِّلهنَّ أشراً ورونقا

فاليومَ بقَّى العيشُ لي قذاتهُ … وارتجعَ الشَّعشاعة َ المصفَّقا

لا جارُ إلاَّ أنْ تكونَ ظبية ٌ … ولا ديارَ أو تكونَ الأبرقا

لا وأبي خنساءَ أو راقدها … على النَّوى قدْ فنيتُ أرقا

ما سهري ببابلٍ ونومها … بحاجرٍ إلاّ النَّعيمُ والشَّقا

وليلة ٍ منَ التَّمامِ جئتها … أسايرُ النَّجمَ وأحدو الغسقا

تمطلُ عيني أنْ ترى منْ فجرها … بينَ السَّوادِ أبيضاً أو أزرقا

ضلَّتْ بها البيضاءُ عنْ طريقها … فلمْ تجدْ بعدَ الغروبِ مشرقا

سريتها مستأنساً بوحدتي … وطالبُ العزِّ قليلُ الرَّفقا

وطارقٌ على الكلالِ زارني … بعدَ الهدوءِ وبخيرٍ طرقا

يهدي منَ الكوفة ِ لي تحيَّة ً … ذكية ً تملأُ رحلي عبقا

فضمَّنتُ سوادها صحيفة ً … ردَّتْ سوادَ النَّفسِ فيها يفقا

منَ الزكيِّ طينة ً ودوحة ً … وثمراً وخلقة ً وخلقا

معرفة ٌ وافقَ معناها اسمها … كالسَّيفِ ألفى مفصلاً فطبَّقا

وبعضهمْ ملقَّب أكذوبة … لا صداقُ المعنى ولا متفقا

فقعْ بكوفانِ فقلْ لبدرها … إنْ بلَّغتكَ العيسُ ذاكَ الأفقا

يا خيرُ منْ حلَّتْ على أبوابهِ … حبى الوفودَ جمعاً وفرقا

وخيرَ منْ طافَ ولبَّى وسعى … وعبَّ في بئرِ الحطيمِ وسقى

ونتظموا المجدَ نبيَّاً صادعاً … بالمعجزاتِ وإماماً صدقا

وابنُ الذينَ بصَّروا منَ العمى … وفتحوا بابَ الرَّشادِ المغلقا

مناسكُ النَّاسِ لكمْ وعندكمْ … جزاءُ منْ أسرفَ ومنْ اتقى

والوحيُ والأملاكُ في أبياتكمْ … مختلفانِ مهبطاً ومرتقى

لا يملكُ النَّاسُ عليكمْ إمرة ً … كنتمْ ملوكاً والأنامُ سوقا

في جدَّة ِ الدَّهرِ وفي شبابهِ … وحينَ شابَ عمرهُ وأخلقا

مجداً إلهياً توخَّاكمْ بهِ … ربُّ العلا وشرفاً محلِّقا

أربقتمُ بالدِّينِ قوماً ألحدوا … فيكمْ وعنْ قومٍ حللتمْ ربقا

وأمَّنَ اللهُ بكمْ عبادهُ … حتى حماكمْ بيتهُ الطوَّقا

ليسَ المسيحُ يومَ أحيا ميتاً … ولا الكليمُ يومَ خرَّ صعقا

ببالغينَ ما بنى أبوكمُ … وإنْ هما تقدُّماً وسبقا

وراكبُ الرِّيحِ سليمانُ أو اب … تغاكمُ في ظهرها ما لحقا

لا أبوهُ ناسجاً أدارعهُ … مضاعفاً سرودها والحلقا

فضلتموهُ ولكلٍّ فضلهُ … فضيلة ِ الرأسِ المطا والعنقا

ومنكمُ مكلِّمُ الثُّعبانِ وال … عابرِ والموتُ يراهُ الخندقا

ومؤثرُ الضَّيفِ بزادِ اهلهِ … وصاحبُ الخاتمِ إذ تصدَّقا

وكلُّ مهديٍّ لهُ معجزة ٌ … باهرة ٌ بها الكتابُ نطقا

منْ استقامَ ميلهُ إليكمُ … فازُ ومنْ حرَّفَ عنكمْ أو بقا

كنتَ ابنهُ سيفاً حماماً ويداً … غيثاً زكيَّاً وجبيناً فلقا

وأنَّ غصناً أنتَ منْ فروعهِ … لخيرُ غصنٍ مثمراً أو مورقا

ولُسُناً إذا الكلامَ انعقدتْ … أطرافهُ أخذَ المخنَّقا

تطعنْ شزراً والخصامُ واسعٌ … فيهِ وإنْ كانَ المجالُ ضيِّقاً

فواركٌ منَ الكلامِ لمْ يكنْ … تنكحُ إلاَّ الأفوهَ المنطَّقا

قدْ وصلتْ تحلُّ لي عقودها … منخرطَ الشُّهبِ انحدرنَ نسقا

أسمعُ منها المتحدِّي معجزاً … حتى يقرَّ وأريهِ مونقا

أعرتني فيها سماتِ مدحٍ … كنتَ أحقَّ باسمها وأليقا

واليتها بادية ً وعوِّدا … كالسَّيلِ يرمي دفقاً فدفقا

حتى ملكتَ رقَّ نفسٍ حرَّة ٍ … بها وقيَّدتَ فؤاداً مطلقا

تكرمة ً أيقظكَ الفضلُ لها … والحظُّ قدْ غمَّضَ عنها الحدقا

جاءتْ أميناً كيدها في زمنٍ … لا تخدعُ الحيَّاتُ فيها بالرُّقى

كأنَّما ردَّ على قلبي لها … في دولة ِ الوحشِ أنسٌ سرقا

والعينُ في أمثالها مشرعة ٌ … ما لمْ يقِ اللهُ وقدماً ما وقى

نحلتني مدحكَ فخراً باقياً … في عقبي مادامَ للدَّهرِ بقا

حلَّيتُ منهُ فرساً منْ بعدِ ما … تعطَّلتْ أسورة ٌ وأطوقا

فاستقبلتْ منْ عزِّها ماقدْ مضى … واسترجعتْ منْ ملكها ما طلقا

وكيفَ لا ينصرُ فضلُ معشرٍ … همْ نشروا لواءكمْ أو خفقا

وهمْ أعزَّوا صهركمُ وودَّكمُ … وقدْ أطاعَ القرباءَ الرفقا

وبيننا إنْ لمْ تكنْ قرابة ٌ … ولاية ٌ تحصفُ تلكَ العلقا

ولمْ يكنْ أحرارُ ملكِ فارسٍ … إلاَّ عبيداً لكمُ أو عنقا

وعاجلٌ أمطرني منكَ الحيا … وأجلٌ أومضَ لي وأبرقا

وعدتني فارتشتُ محصوصاً بما … وعدتنيهُ وغنيتُ مخفقا

فاسمعْ وعشْ تجزى بما تسمعهُ … مطارباً لو نادتْ الميتَ زقا

لو ما رميتُ الحجرَ الصَّلدَ بها … أخدعهُ عماية ً لأنفلقا

تخلقُ لي في قلبِ كلِّ حاسدٍ … إما هوى ً محضاً وإما ملقا

قدْ تركَ النَّاسُ لها طريقها … وسلَّموا الرَّكضَ لها والعنقا

إذا الكلامُ الفصلُ كانَ ذنباً … أو كفلاً كانَ طلى ً ومفرقا

غريبة ُ الحدثانِ في أزمانها … بذَّتْ فحولَ الشُّعراءِ السُّبَّقا

إذا الكلامُ اشتبهتْ شياتهُ … واختلطتْ عرفتَ منها الأبلقا

يجهلُ منها النَّاسُ ما علمته … لا عجباً أنْ يحرموا وترزقا

فهي إليكَ دونَ كلِّ خاطبٍ … تزفُّ شفعاً وتساقُ رفقا

بشَّرني عنكَ الخبيرُ بالتي … نحي السُّرورَ وتميتُ الحرقا

وقالَ صبراً وانتظرْ صبحَ غدٍ … تدني السَّماءُ بدرها المحلِّقا

غداً تراهُ فرفعتُ ناظراً … كانَ على قذى الفراقِ مطبقا

وقلتُ نفسي لكَ إنْ قبلتها … حقُّ البشيرِ قالَرهنٌ غلقا

قدْ ملكتني غائباً نعماؤهُ … وأفعمتْ قلبي حتى اندفقا

فلمْ يدعْ قبلَ اللِّقاءِ طولهُ … فيهِ مكانَ فرحة ٍ يومَ اللِّقا

فمرحباً إذا صدقتَ مرحباً … لكَ المنى إنْ تمَّ أو تحققا

جادتكَ أنواءُ السَّماءِ أبداً … أينَ حللتَ وكفَّاً وودَّقا

ولا عدتُ بكتبها ونشدها … سمعكَ موروداً بها مستطرقا

ولا يزالُ المهرجانُ واضحاً … بها عليكَ في الطلوعِ مشرقا

والصَّومُ والعيدُ إلى أنْ ينطوي … مرُّ النُّجومِ طبقاً فطبقا

إذا دعوتُ اللهَ أنْ يبقيكَ لي … فقدْ دعوتُ للمعالي بالبقا