تدَرّعْتُ صبري جُنَّة ً للنوائبِ – عبدالجبار بن حمديس

تدَرّعْتُ صبري جُنَّة ً للنوائبِ … فإن لمْ تُسالمْ يا زمان فحاربِ

عجمتَ حصاة ً لا تلين لعاجمٍ … ورضت شموساً لا يذل لراكب

كأنَّك لم تقنع لنفسي بغربة ٍ … إذا لم أُنْقِّب فِي بِلاد المغَارب

بلاد جرى فوق البُلادة ماؤها … فأصبح منه ناهلاً كلُّ شارب

فطمت بها عن كل كأسٍ ولذة … وأنفقتُ كنزَ العمر في غير واجب

يبيت رئاس العضب في ثني ساعدي … مُعَاوَة ً من جِيد غَيْداءَ كاعب

وما ضاجعَ الهنديُّ إلا مثلّماً … مضاربه يوم الوغى في الضرّائب

إذا كان لي في السيف أنس ألفته … فلا وحشة عندي لفقد الحبائب

فكنت، وقدّي في الصبا مثل قدّه، … عهدت إليه أن منه مكاسبي

فإن تك لي في المشرفيّ مآربٌ … فكم في موسى له من مآرب

أتحسبني أنسى ، وما زلت ذاكراً، … خيانة َ دهري أو خيانة صاحبي

تَغَذَّى بأخْلاقِي صغيرا ولم تكنْ … ضرائبه إلاَّ خِلافَ ضرائبي

ويا ربّ نَبْتٍ تَعتريِهِ مرارَة ٌ … وقد كان يُسقى عذبَ ماء السحائب

علمتُ بتجريبي أمورا جهلتها … وقد تُجهَل الأشياء قبل التجارب

ومَنْ ظَنَّ أمْواه الخضارم عَذْبَة ً … قضى بخلاف الظنّ عند المشارب

ركبتُ النوى في رَحْلِ كلّ نجية ٍ … تُوَاصِلُ أسبابي بقطع السباسب

قلاصٌ حناهنّ الهزال كأنَّها … حنيَّات نَبْعٍ في أكفٍّ جواذب

إذا وردت من زرقة الماء أعيناً … وقفنَ على أرجائها كالحواجب

بصادقِ عزْمِ في الأمانِي يُحِلَّنِي … على أملٍ من همة ِ النفس كاذب

ولا سكنٌ إلا مناجاة فكرة ٍ … كأني بها مستحضرٌ كلّ غائب

ولما رأيْت الناس يُرْهَب شرهم … تجنّبتهم، واخترت وحدة َ راهب

أحتى خيال كنت أحظى بزوره … له في الكرى عن مضجعي صدّ عاتب

فهل حال من شكلي عليه فلم يزر … قضافة ُ جسمي وابيضاضُ ذوائبي

إذا عدّ من غاب الشهور لِغربة ٍ … عددتُ لها الأحقابَ فوق الحقائب

وكم عزمات كالسيوف صوادق … تجرّدها أيدي الأماني الكواذب

ولي في سماء الشرق مطلع كوكب … جلا من طلوعي بين زهر الكواكب

ألفتُ اغترابي عنه حتى تكاثرت … له عقدُ الأيام في كفّ حاسب

متى تسمع الجوزاء في الجو منطقي … تصخْ في مقالِي لارتجال الغرائب

وكم لي به من صنو ودٍّ محافظ … لذي العيب من أعدائه غير غائب

أخي ثقة نادَمْتُهُ الراحَ، والصبا … له من يدِ الأيام غير سوالِب

معتقة ٌ دعْ ذكر أحقاب عمرها … فقد ملئتْ منها أنامل حاسب

إذا خاض منها الماءُ فِي مُضْمَر الحشا … بدا الدرّ منها بين طافٍ وراسب

لياليّ بالمهديتَّين كأنَّها اللآ … لىء مِنْ دُنْياك فوق ترائب

ليالي لم يذهبن إلاَّ لآلئاً … نظمنَ عقُودا للسنِّين الذواهب

إذا شئتُ أنْ أرْمِي الهِلاَلَ بلحظة ٍ … لمحتُ تميماً في سماءِ المناقب

ولو أنّ أرضي حُرّة ٌ لأتيتُها … بِعزْمٍ يعدّ السيرَ ضربة َ لازب

ولكنّ أرضي كيف لي بفكاكها … من الأسر في أيدي العلوج الغواصب

لئن ظفرت تلك الكلاب بأكلها … فبعد سكون للعروق الضوارب

أحينَ تفانَى أهلها طَوْعَ فتنة ٍ … يضرّم فيها نارَه كلُّ حاطب

وأضحت بها أهواؤهم وكأنَّما … مذاهبهم فيها اختلاف المذاهب

ولم يرحم الأرحامَ منهم أقاربٌ … تروي سيوفاً من نجيع أقارب

وكان لهم جَذْبُ الأصابع لم يكن … رواجبُ منها حانيات رواجب

حُماة ٌ إذا أبْصَرْتَهُمْ في كرِيهَة ٍ … رضيتَ من الآساد عن كلّ غاضب

إذا ضاربوا في مأزق الضرب جرّدوا … صواعقَ من أيديهم في سحائب

لهم يومَ طعن السمرِ أيدٍ مبيحة ٌ … كُلَى الأَسْدِ في كرّاتهم للثعالب

تخبّ بهم قبٌ يطيل صهيلها … بأرْض أعاديهم نياحَ النَّوادب

مُؤَلَّلَة ُ الآذَان تَحْتَ إلالهمْ … كما حُرِّفَتْ بالبري أقلامُ كاتب

إذا ما أدارتَها على الهام خلتَها … تدور لسمع الذكر فوق الكواكب

إذا سكتوا في غمرة ِ المَوْتِ أنْطَقُوا … على البيض بيضَ المرهفات القواضب

ترى شعل النيران في خلج الظبا … تذيق المنايا من أكفِّ المواهب

أولئك قومٌ لا يُخاف انحرافُهُمْ … عن الموت إذا خامَتْ أسوَدُ الكتائب

إذا ضلَّ قومٌ عن سبيل الهدى اهتدوا … وأيّ ضَلالٍ للنُّجوم الثواقب

وكم منهمُ من صادق البأس مُفْكِرٍ … إذا كرّ في الإقدام لا في العواقب

له حملة ٌ عن فتكتين انفراجُها … كفتكِك من وجهين شاهَ الملاعب

إذا ما غزوا في الروم كان دخولهم … بطونَ الخلايا في متون السلاهب

يموتونَ موتَ العِزِّ في حَوْمة ِ الوغَى … إذا ماتَ أهلُ الجبنِ بين الكواعب

حَشْوامن عجاجاتِ الجهادِ وسائدا … تُعَدّْ لهم في الدفن تحت المناكب

فغاروا أفولَ الشهب في حُفرِ البلى … وأبْقَوْا على الدُّنْيَا سوادَ الغياهب

ألا في ضمان الله دار بنوطسٍ … وَدَرّتْ عليها مُعْصِراتُ الهواضب

أمثّلُها في خاطري كلّ ساعة ٍ … وأمْرِي لها قَطْرَ الدُّموع السواكبِ

أحنّ حنين النيبِ للموطنِ الَّذِي … مغَانِي غوانيه إليهِ جواذبِي

ومن سار عن أرضٍ ثوى قلبُهُ بها … تَمَنَّى له بالجسم أوبة َ آيبِ