تدَانَى فَحَيَّى عَابِراً وَتَنَاءَى – خليل مطران

تدَانَى فَحَيَّى عَابِراً وَتَنَاءَى … شَبِيهاً بِطَيْفٍ في الغَدَاةِ تَرَاءَى

برغْمِ أُولى الأَلبَابِ عَجَّلَ بَيْنَهُ … وَكَانَ لَهُمْ ذُخْراً وَكَانَ رَجَاءَ

أَتَاحَ زَمَانِي مَرَّةً أَنْ رَأَيْتُهُ … وَلَمْ يُولِنِي بَعْدَ اللِّقَاءِ لِقَاءَ

فَمَا رَاعَني إِلاَّ فَتىً في إِهَابِهِ … شَهِدْتُ مَعاً شَيْخُوخَةً وَفَتَاءَ

أُطِيلَتْ بِعُثْنُونِ أَسَالَةُ وَجْهِهِ … وَفِي مَحْجَرَيْهِ كَوْكَبَانِ أَضَاءَا

تَضَاءَلَ مَرْمَى ظِلِّهِ مِنْ نُحُولِهِ … وَطَبَّقَ آفَاقاً سَنَىً وَسَنَاءَ

وَفي صَدْرِهِ بَحْرٌ مِنَ العِلمِ لَمْ يَضِقْ … بِهِ ذَلِكَ الصَّدْرُ الصَّغِيرُ إِنَاءَ

يُحَدِّثُ في رِفْقٍ وَلَيْسَتْ أَنَاتُهُ … تُثَبِّطُ عَزْماً أَوْ تَعُوقُ مَضَاءَ

عَكُوفٌ عَلَى التَّحْصِيلِ مِنْ كُلِّ مَطْلَبٍ … يُلِمُّ بِهِ مَهْما يَسُمْهُ عَنَاءَ

جَنَى الرَّوْضِ مَا تَجْرِي يَرَاعَتَهُ بِهِ … فَيَحْلُو شَرَاباً أَوْ يَطِيبُ غِذَاءَ

وَمَا ثَقَّفَ الأَلْبَابَ مِثْلُ بَيَانِهِ … وَما شَرَّفَ الآدَابَ وَالأُدَبَاءَ

يَغُوصُ عَلَى الدُّرِّ البَعِيدِ مَكَانُهُ … فَيَجْلُوهُ لِلمُسْتَبْصِرِينَ جَلاَءَ

وَيَبْحَثُ عَمْا يُفْقِدُ الجَهْلُ أَهْلَهُ … فَيُهْدِي إِلَيْهِمْ زِينَةً وَثَرَاءَ

وَيَحْرِصُ أَلاَّ يُغْمَطَ الفَضْلُ حَقَّهُ … وَيُعْدَمَ بَيْنَ العَالَمِينَ جَزَاءَ

فَإِنْ يُذْكَرِ الفَضْلُ الَّذِي فِيهِ يَعْتَذِرُ … كَأّنَّ بِهِ مِنْ أَنْ يُذَاعَ حَيَاءَ

أََأَنْسَى لإِسْمَاعِيلَ مَا عِشْتُ مِنَّةً … أَفَدْتُ بِهَا أُحْدُوثَةً وَبَقَاءَ

حَبَانِي بَهَا قَبْلَ التَّعَارُفِ مُضْفِياً … عَلَيَّ بِمَا لاَ أَسْتَحِقُّ ثَنَاءَ

وَقَدْ عَاقَ شُكْرِي عَنْهُ فَرْطُ احْتِشَامِهِ … فَهَلْمُجْزِيءٌ شُكْرٌ يَجِيءُ رِثَاءَ

وهَيْهَاتَ أَنْ يُوفَى بِشِعْرٍ جَمِيلُهُ … وَلَوْ كَانَ دِيوَاناً لَقَلَّ وَفَاءَ

أَلاَ أَيهَا الغَادِي وَلَيْسَ بِآسِفٍ … وَلاَ مُتَقَاضٍ لَوْعَةً وَبُكَاءَ

تَرَفَّعْتَ عَنْ أَنْ تَقْبَلَ الضَّيْمَ صَابِراً … عَلَى زَمَنٍ أَحْسَنْت فِيهِ وَسَاءَ

وَجَنَّبَكَ العَيْشُ احْتِقَارٌ لِشَأْنِهِ … إِذَا مَا غَدَا فِيهِ العَفَافُ عَفَاءَ

مكَانُكَ في الدُّنْيَا خَلاَ غَيْرَ أَنَّهُ … مليءُ النَّوَاحِي عِزَّةً وَإِبَاءَ

بِبَيْنِكَ مُخْتَاراً صَدَمْتَ عَقِيدَةً … وَأوْقَعْتَ حُكْماً حَيَّرَ الحُكَمَاءَ

وكُنْتَ عَلَى يُسْرِ الأُمُورِ وَعُسْرِهَا … تُنِيرُ بِعَالِي رَأْيِكَ الحُصَفَاءَ

فَغَالَبَكَ الطَّبْعُ العُيُوفُ عَلَى الحِجَى … وَأَصْدَرَ مِنْ قَبْلِ القَضَاءِ قَضَاءَ

أَمِنْ خَطَلٍ طَرْحُ الإِنَاءِ وَمَا بِهِ … مِنَ السُّؤْرِ لَمْ يَطْهُرْ وَقَلَّ عَنَاءَ

وَهَلْ تَرْتَضِي نَفْسَ العَزيزِ إِقَامَةً … عَلَى ذِلَّةٍ وَالدَّاءُ عَزَّ دَوَاءَ

إِذَا هَانَ في حُبِّ الحَيَاةِ هَوَانُهَا … فَلَيْسَ لأَرْضٍ أَنْ تَكُونَ سَمَاءَ

قَرَارَكَ وَلْتُرْعَ الْخَلاَئِقُ سَمْعَهَا … مَصَاقِعَهَا الهَادِينَ وَالسُّفهَاءَ

سَتبْقَى لِنَفْعِ النَّاسِ صُحْفٌ ترَكْتَهَا … وَلن يَذْهَبَ الإِرْثُ النَّفِيسُ جُفاءَ

وَتذكُرُكَ الأَوْطَانُ يَوْمَ فخَارِهَا … إِذَا ذكَرَتْ أَفْذَاذَهَا النُّبَغاءَ

وَإني لَمَحْزُونٌ عَلَيْكَ وَجَارِعٌ … ثُمَالَةَ كَأْسِي حَسْرَةً وَشَقَاءَ

أَقُولُ عَزَاءَ لآلِ وَالصَّحْبِ وَالحِمَى … وَلِي وَلأَمْثَالِي أَقُولُ عَزَاءَ

فَرَابِطَةُ اسْمَيْنَا أَرَاهَا قَرَابَةً … وَأَعْتَدُّهَا فَوْقَ الإِخَاءِ إِخَاءَ