تباعد – عدنان الصائغ

أصيحُ: بلادي

فأجفلُ

هل تتذكَّرُ أختامهم في الجواز

الصبيُّ الذي نامَ في السجنِ حتى استفاقَ

على الصافراتِ تجرُّ المدينةَ من إبطها للملاجيء

كان بين وميضِ سجائرهم، وتنمّلِ جلدِكَ فوق البلاطِ

مسافةُ ظلِّ الجدارِ الذي يَفصِلُ البحرَ عن شفتيكَ

الخطى تتباعدُ….

هل يتباعدُ ما بين مقصلتي، والقصيدةِ

هذا المدى….

شهوةٌ في التقدّمِ

أم طعنةٌ في التقادمِ

أفتحُ نافذتي

فأرى الأفقَ أكثرَ من وطنٍ

يتشكّلُ غيماً، أُعَلِّقُ حُزني فيه… وأرحلُ

كان الفراتُ على بُعدِ كأسٍ بمقهاك

كانتْ منائرُ بغداد تمشي قبيلَ الغروبِ إلى الجسرِ

كي تتوضّأَ في ماءِ دجلة

مَنْ سوّرَ النهرَ؟

مَنْ أَبْعَدَ النخلَ عن ليلِ نافذتي؟

…………………….

أحمِلُ القلبَ خبزاً يتيماً

أوزّعهُ بين أهلي وبين المنافي

على قدِّ ما شردّتنا الدروبُ

الدموع التي سوف تتركها النادباتُ

على قبرنا….

ثم يَعبُرنَ في الحَلَكِ المرِّ

خشيةَ أنْ يستدلَّ نباحُ الرصاصِ على جرحِنا

أقولُ لصَحْبي: ألا تُبصِرون دمي يابساً في الغُصُون؟

كلّما نصبوا حاكماً

نصبوا

ألفَ مشنقةٍ

وانقسمنا على الموتِ

بين الحروبِ

وبين السجون

أصيحُ: بلادي

وأَشْهَقُ…

أحتاج حِبْراً بمقدارِ ما يشهقُ الدمعُ في فمنا

لأَكْتُبَ أحزانَ تاريخنا

وأنسلُّ من مدنٍ كالصفيحِ إلى صدرِ أمّي

ألملمُ هذا الحنينَ الموزّعَ بين الحقائبِ

…. والوطنِ المتباعدِ

خلف زجاجِ المطاراتِ

يأخُذُني للشتاتِ

ويتركني للفُتاتِ

كلّما عَبَرَتْ غيمةٌ

اِتَّكَأتُ على صخرةٍ

قابضاً جمرتي

وألوّحُ:

تلك بلادي

…………………..

…………………..

أَرْسُمُ درباً وأمحوهُ

أَرْسُمُ خطواً ويمحوهُ غيري

فمن أين أبدأُ….؟

21/9/1994 عمّان