بنى العشق ما أحلى إلى كل عاشقٍ – حيدر بن سليمان الحلي

بنى العشق ما أحلى إلى كل عاشقٍ … طِلاً لمشوقِ زفها كفُّ شائق

ولم أرَ في الأحشاء ألطفَ موقعاً … وأرشقَ من نبل العيون الرواشق

وأغرق أهلُ الحب في الحب مهجة ً … بكل غريرٍ في المحاسن فائق

أظنَّهم حتى على لحظ عينه … بما احمرَّ من وردٍ بخديه رائق

وما العمرُ عندي كلُّمه غير ليلة ٍ … يبيت رهيفُ الخصر فيها معانقي

ترفُّ على صدري خوافقُ فرعه … رفيفَ حشاً مني على الشوق خافق

كأنَّ الثريّا طوقته هلالها … ومن حسدٍ مدّتْ له كفَ سارق

من الريم لم يألفْ سوى الرمل ملعباً … ولم يرتبعْ إلا بإحناء بارق

ونشوانَ من مشمولة الدلّ قدُّه … أرقُّ من الغصن انعطافاً لوامق

مورّدُ ما بين العذارين زارني … فنزَّه أحداقي بلون الحدائق

وقلتُ وقد أرخى على الخد صدغه … لقد سلسلَ الريحان فوق الشقائق

أقبلُ طوراً ورد خديه ناشقاً … عبيرَ شذى ً ما شقَ عرنين ناشق

وألثمُ طوراً ثغره العذبَ راشفاً … سلافة خمرٍ لم تدنسْ بذائق

خلوتُ وما بي ريبة ٌ غير نظرة ٍ … تزوَّدتها منه بعيني مُسارق

وراودته لكنْ من الثغر قبلة ً … ألذَّ وأشهى من غبوقٍ لغابق

وأعرضتُ عما دون عقد أزاره … عفافاً وقد زالتْ جميع العوائق

وحسبُكَ منّى شيمة ً قد ورثتُها … من الغالبين الكرام المعارق

خليليَّ ما للكأس كفّى ولا فمي … ولا كبدي للناهدات العواتق

نسيتُ وما بي يعلم الله صبوة ٌ … ولا اجتذبتْ أحشاي بعض العلائق

عشقتُ ولكن غيرَ جارية المها … وما العيشُ إلا للمعالي بلائق

خذا من لساني ما يروقُ ذوى النهى … ويترك أهلَ النظم خرس الشقاشق

مديحاً لة تجلو مفارقُها العلى … وسلمانُ منها غرة ٌ في المفارق

وقورٌ على الأحداث لا تستخفه … إذا طرقتْ في الدهر إحدى السوابق

ومنَ كعلى ّ القدر كان أبَا له … يزنْ بحجاهُ راسيات الشواهق

نقيبُ بني الأشراف أعلى كرامهم … عماداً وأسناهم فناءً لطارق

فما قلبّتْ أمُّ النقابة قبله … ولا بعده في مثله طرفَ رامق

فتى ً إن سرى يوماً لإحراز مفخرٍ … فليس له غير العلى من مرافق

لقد غدت الدنيا عليه جميعُها … مغاربها تُثني ثناءَ المشارق

تطرَّقَ أمَّ المجد في بيت سؤددٍ … يطلّلُ عزاً بالبنود الخوافق

فانجبَ من سلمان وهو ذكا العلى … ببدر نهى ً ظلام الغواسق

همامٌ نمته دوحة ٌ نبوية … إلى مثمرِ في المجد منها ووارق

له النسبُ الوضّاح في جبهة العلى … مع الحسب السامي جميع الخلائق

يعدُّ رسول الله فخراً لمجده … وحسبك مجداً في الذرى والشواهق

تضوعُ بعطفيه السيادة مثلما … تضوَّع عرف المسك طيباً لناشق

به اقتدحتْ زند النجابة هاشمٌ … ففي وجهه من نورها لمعُ بارق

سما في المعالي طالباً قدرَ نفسه … إلى شرفٍ فوق الكواكب باسق

وفاتَ جميعَ السابقين إلى العلى … فقصّر عن إدراكه كلُّ سابق

وقالوا: رويداً حكَّ عاتقكَ السهى … فقال: وما قدرُ السهى حكُّ عاتقي

تمنطقَ طفلاً بالرياسة واحتذى … بأخمصها تيجان أهل المناطق

إليكم ملوكَ الأرض عن ذي سرادقِ … تجمّعت الدنيا به في السرادق

تقبّل أهلُ الفخر أعتابَ داره … فيأرج منها طيبُها في المفارق

فداء مفاتيح الندى من بنانه … أكفٌّ على أموالها كالمغالق

تعلل راجيها إذا اسودَّ ليله … بكاذب وعدٍ فجرهُ غير صادق

نديُّ بنان الكف في كل شتوة ٍ … يجفُّ بها ضرع الغيوم الدوافق

فحين تشيمُ المجدبون بوارقا … تمنَّوا نداه غيث تلك البوارق

وضيءُ المجال والمعالي كليهما … وعذبُ السجايا والندى والخلائق

أخفُّ على الأرواح طبعاً من الهوى … ولكنَّه في الحلم هضبة شاهق

فما طلعة ُ البدر المنير مضيئة … كطلعته الغراء في كل غاسق

مهيبٌ فلولا ما به من تكرُّمِ … لما لمحته هيبة ً عينُ رامق

فما هيبة ُ الضرغام دون عرينه … كهيبته القعساء دون السرادق

لقد كتب اللهُ الفخارَ له على … لواء عُلى ً في الغرب والشرق خافق

تضايقت الدنيا ببعض فخاره … على أنه فرّاجُ كل المضايق

يضيع فضاءُ الأرض في رحب صدره … إذا هي غصتْ في الخطوب الطوارق

من الفاطميين الذين تراضعتْ … قناهم طلى الأعداء في كل مازق

همُ توجوا هامَ الملوك بيضهم … وداسوا على انماطهم بالسوابق

إذا نزلوا كانوا ربيعَ بني المنى … وإن ركبوا كانوا حماة َ الحقائق

تعانق فوق الخيل عالية ُ القنا … عناقَ سواها الغيد فوق النمارق

هم القومُ ما للشيخ منهم لكهلهم … وما منهم في كهلهم للمراهق

وهذا ابنهم سلمانُ والفرع طيبه … يجيءُ على مقدار طيب المعارق

إذا مسحتْ منه العلى وجهَ سابق … جلتْ من أبي محمود غرّة لاحق

فتى ً علمه يحكى غزارة جوده … وما علمُ قومٍ غير محض التشادق

وقد قوّمت منه الإصابة رأيه … فكان لفتق الدهر أحزم راتق

ومنطيقُ فصل لو يشاء لسانه … لفلَّ حدودَ الفاصلات البوارق

يحاكى بقطع الخصم أسياف قومه … فيمضى مضاها في الطلى والمرافق

ويطعنه في قلبه بنوافذٍ … نفوذَ قناهم في قلوب الفيالق

أبا المصطفى أرغمت أنتَ وذو النهى … شقيقك في العلياء شمَّ المناشق

لقد زنتما جيد العلى من بينكما … بسمطى فريدٍ في العلى متناسق

فيا قمراً سارت بذكرْ علائه … نجومُ القوافي في سماء المهارق

إليكَ تعدتْ فكرتي كلَ فكرة ٍ … لما لم يكنْ فيه مجالُ محاذق

فجاءتْ من القول الذي انفردتْ به … بآيات نظمٍ أفحمتْ كل ناطق

سلمتَ على الدنيا وفخرُك مشرقٌ … يضيءُ ضياءَ الشمس في كل شارق

لك الدهر عيدٌ لا يرى المجدُ عتقه … ولا هو يلوى عنكمُ جيدَ آبق