الْيَوْمَ يَوْمُ مَصَارِعِ الشُّهَدَاءِ – خليل مطران

الْيَوْمَ يَوْمُ مَصَارِعِ الشُّهَدَاءِ … هَلْ في جَوَانِبِهِ رَشَاشُ دَمَاءِ

للهِ غُيَّابٌ حضُورٌ في النُّهَى … مَاتُوا فَبَاتُوا أَخْلَدَ الأَحْياءِ

أَبْطَالُ تَفْدِيَةٍ لَقُوا جُهْدَ الأَذَى … في اللهِ وَامْتَنَعُوا مِنَ الإِيذاءِ

بُعَدَاءُ صِيتُ مَا تَوَخَّوْا شُهْرَةً … لَكِنْ قَضَوْا فِي ذِلَّةٍ وَعَنَاءِ

لَبِثُوا عَلَى إِيمَانِهِمْ وَيَدُ الرَّدَى … تَهْوِي بِتِلْكَ الأَرْؤُسِ الشَّمَّاءِ

سَلِمَتْ مَشِيئَتُهُمْ وَمَا فِيهِمْ سِوَى … مُتَقَطِّعِي الأَوْصَالِ وَالأَعْضَاءِ

صَبَرُوا عَلَى جَبَرُوتِ عَاتٍ قَاهِرٍ … سَاءَ النُّهَى وَالدِّينَ كُلَّ مَسَاءِ

مَا كَانَ دِقْلِتْيَانَ إِلاَّ طَاغِياً … مَلَكَ الرِّقَابَ بِغِلْظَةٍ وَجَفَاءِ

لاَنَتْ لَهُ الصُّمُّ الصِّلاَدُ وَلَمْ تَلِنْ … شَيْئاً قُلُوبُ الصَّفْوَةِ الفُضَلاَءِ

حَاشَا الْحَقِيقَةِ كَمْ مِثَالٍ لا تَرَى … إِلاَّ الْبَقَايَا مِنْهُ عَيْنُ الْرَّائِي

ظَلَّتْ حَنَايَاهُ وَإنْ حُطِمَتْ عَلَى … مَا كَانَ فِيهَا مِنْ تُقىً وَرَجَاءِ

إِنَّ الْعَقِيدَةَ نِعْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ … تَصْفُو عَلَى الْنِّقَمَاتِ وَالأَرْزَاءِ

تَجْنِي فَخَاراً مِنْ إِهَانَاتِ الْعِدَى … وَتُصِيبُ إِعْزَازاً مِنَ الإِزرَاءِ

بِكْرُ بِأًوجِ الْحُسْنِ غَالٍ مَهْرُهَا … لاَ تُشْتَرَى بِأَيَاسِرِ الأَشْيَاءِ

تُزْرَى النَّفَائِسُ دُونَهَا وَلَربَّمَا … بَذَلَ النُّفُوسَ حَمَاتُهَا بِسَخَاءِ

أَليَوْمَ بَدْءُ الْعَامِ عَامِ النِّيلِ فِي … إِقْبَالِهِ المُتَجَدِّدِ الَّلأْلاَءِ

مَا انْفَكَّ فِي أَقْسَامِهِ وفُصُولِهِ … شَرَعاً وَفي الأَوْضَاعِ وَالأسْمَاءِ

قَدْ أُحْكِمَتْ في كُلِّهِ أَجْزَاؤُهُ … فَبَدَا تَمَامُ الْكُلِّ بِالأَجْزَاءِ

عَجَبٌ لِقَوْمٍ لاَتَنِي آثَارُهُمْ … هِيَ أَعْظَمُ الآثَارِ في الْغَبْرَاءِ

قُصَّتْ حَوَاشِيهِمْ وَقُلِّصَ ظِلُّهُمْ … إِلاَّ كِفَاحَ بَقِيَّةٍ لِبَقَاءِ

وَعَفَتْ مَعَاهِدُ بَطشِهِمْ أَوْ أَوْشَكَتْ … وَهَوَتْ صُرُوحُ العِزَّةِ الْقَعْساءِ

إِلاَّ نِظَاماً فَصَّلُوهُ لِعَامِهِمْ … فَلَقَدْ أَقَامَ كَأَصْلِهِ المُتَنَائِي

كَمْ دَوْلَةٌ دَالَتْ بِمصْرَ وَحُكْمُهُ … مُتَوَارَثٌ عَنْ أَقْدَمِ الآباءِ

وَإذَا بَنَى الأَقْوَامَ فِكْراً صَالِحاً … فَالْفِكْرُ يَثْبُتُ بَعْدَ كُلِّ بِنَاءِ

أمهيئي هَذَا المقَامَ وَمُبْدِعِي … هَذَا النِّظَامَ لِحِكْمَةٍ غَرَّاءِ

إنْ أَرْجُ فَالإقْبَالُ مَا أَرْجُو لَكُمْ … وَإذَا دَعَوْتُ فَبِالرُّقِيِّ دُعَائِي