الكبرياءُ رداءُ منْ سجدتْ لهُ – محيي الدين بن عربي
الكبرياءُ رداءُ منْ سجدتْ لهُ … كلُّ الجباه وسخَّر الأقيالا
أنتَ الرداءُ وعلمكم بمن ارتدى … علمٌ لذا لا يقبلُ الإشكالا
وصفُ النفوسِ جزاؤها وهذا أتى … نصُّ الكتابِ ففصَّلوا الإجمالا
ولتتخذْ إنْ كنتَ تعقل قولنا … وصف الإله لما يرون مَجالا
إنَّ البيانَ لذي عمى ً في نفسهِ … ما زاده إلاّ عمى وضلالا
لو يدري ذو السمعِ السليمِ مقالتي … ونصيحتي عنْ حكمها ما زالا
وبدتْ له كالشمسِ تشرق بالضحى … ورأى عليه نورها يتلالا
ما يصدق الكنز الذي يجدونه … العارفونَ يرونَ ذاكَ محالا
ختم الإله على قلوبِ عبادِه … أنْ لا يكونوا كبراً ضلالا
وإن أظهروا إضلالهم وتكبروا … فالعالمون يرون ذاك خَيالا
فلذاكَ يظهرُ ذله في موقفٍ … ويذلهُ ربُّ الورى إذلالا
كالذرِّ ينشرهُ الإلهُ بموقفٍ … ليذوقَ فيه خزيه ونكالا
لمَّا تكبرض بدرهُ في ذاتِهِ … لحقَ الصغارُ بهِ فعادَ هلالا
لا بل أزال الحقُّ عنه ضياءَه … محقاً فكانَ المحقُ فيهِ وبالا
لو يشهدونَ كما شهدتُ مقامَه … رفعوا له أصواتهم إهلالا
وأفادهُمْ ما قدْ رأوهُ شهادة ً … وترية ً في قلبهِ ونوالا
لا يشهدُ البدرَ المنيرَ هلالاً … إلا عيونٌ أبصرَته كمالا
لمَّا بدا للعينِ خلفَ حجابِهِ … كنتَ الحجابَ لهُ فكنتَ حجالا
ورأى الذي عاينته من حكمة … في ستره عمن يريد فشالا
لنراه حتى لا نشك بأنه … هوَ عينهُ فأتى الحجابَ زوالا
فعلمتُ أنَّ الأمر لا ينفك عن … ستر عليه وكان ذاك ظِلالا
العرشُ ظلُّ الله في ملكوته … وبذا أتتْ أرساله أرسالا
تاهَ الذينَ تحيروا في ذاتهِ … عجباً بذاكَ وجرروا الأذيالا
وتقدموا لمَّا تقدسَ عندهمْ … وأنالهم تقديسهمْ إجلالا
ما عظمَ الأقوامَ غيرُ نفوسهم … في عينه سبحانه وتعالى
لما علمت بأنني متحيِّر … فينا وفيه ما رددت مقالا
وعلمتُ أنَّ العجزَ غاية ُ علمنا … بوجودِه سبحانه وتعالى
فموحد ومشرك ومعطِّل … ومشبه ومنزهٌ يتغالى
حتى يكذبَ ما يقولُ بنفسهِ … عنْ نفسهِ ويردَّه إضلالا
قد كنتُ أحسب أنَّ في أفكارنا … عينَ النجاة ِ لمنْ أرادَ وصالا
حتى قرأتُ كتابه وحديثه … عنْ نفسهِ في ضربهِ الأمثالا
فعلمت أن الحقَّ في الإيمان لا … في العقل بل عاينت ذاك عقالا
في آية ِ الشورى تحارُ عقولنا … وتواصلُ الأسحارَ والآصالا
إنْ كنتَ مشغوفاً بروية ِ ذاتهِ … فاقطع إليه سباسباً ورمالا
حتى تراه وما تراهُ بعينهِ … إن النزيه يباعد الأشكالا
مثلَ الذي جاءَ الكتابُ بنصهِ … في رميهِ بتلاوتي الأنفالا
إنَّ اللبيبَ يحارُ في تكييفِ منْ … هوَ مثلهُ وينازلُ الأبطالا
للهِ بيتٌ بالحجازِ محرمٌ … لا يدخل الإنسانُ فيه حلالا
ما إنْ رأيتُ لهُ إذا حققتهُ … حقاً يقيناً في البيوتِ مثالا
قد أذنَ الرحمنُ فيه بحجه … فاتوه رُكباناً به ورجالا
بيتٌ رفيع بالمكانة ِ سابقٌ … أضحى لهُ البيتُ الضراحُ سفالا
هوَ للدخولِ وذا يطافُ بذاتهِ … كالعرشِ أصبحَ قدره يتعالى
والقلبُ أشرف منه في ملكوته … ملكَ الوجودِ وحازه أفضالا
لولا اتساعُ القلبِ ما وسع الذي … ضاقَ السما عنه فأصبح آلا
بالقيعة ِ المثلى منْ أرضِ وجودِنا … ولذا كنى عنه بلا وبلالا
لا شيءَ يشبههُ لذاكَ وجدتُه … في الفقدِ منصوباً لكم تمثالا
وفاكمُ الرحمنُ فيهِ حسابكم … قولاً وعقداً منة ً وفعالا
لا يلتفتُ منْ قال فيهِ إنهُ … يفري الكلى ويقطعُ الأوصالا
بالحفظ كان وجودُه لمكانه … ولذاك يحمل عنكم الأثقالا
لولا وجودي ما عرفتُ وجودَهُ … ولذاك كنتُ لكونه مغتالا
من بحثه كان اغتيالي كننه … فالبحثُ لي ولهُ علوٌّ حالا
أمسيتُ فيهِ لكونهِ ذا عزة ٍ … دونَ الأنام مخادعاً محتالا
لمَّا رأيتُ الأمرَ يعظمُ قدرهُ … ورأيته يزهو بنا مختالا
حصلتُ أسبابُ الخداعِ بذلة ٍ … وتمسكن فيه فزدت دلالا
إذلاله إذلاله لوجودِنا … فلذاكَ لمْ تظفرْ بهِ إذلالا
لولا وجودُ صفاتِهِ في غيرهِ … مشهودة ٌ ببراعة ِ ما نالا
إنَّ الإلهَ يغارُ أنْ يلقى بهِ … ولذا أذلَّ عبادَه إذلالا
في موطنِ التحقيق لا تبدوا به … فبكفركمْ قالَ الذي قدْ قالا
لما تأهل بالذي ما زلته … اصبحتُ للأمرِ العظيمِ عيالا
وأتى الحديثُ بنثرهِ وبنظمهِ … فشربتُ ماء كالحياة ِ زُلالا
اللهُ أعظمُ أنْ يحيطَ بوصفهِ … خلقٌ ولو بلغ السماءَ ونالا
ما ناله أهلُ الوجودِ بأسرهم … منْ نعتهِ سبحانهُ وتعالى
العجزُ يكفيهم وقد بلغوا المنى … والجاهل المغرور مَن يتغالى
لا تغل في دينِ الشريعة ِ إنه … قدْ جاءَ فيهِ نهيهُ وتوالى
منه خطابُ النهى في أسماعنا … حتى رأينا نورَهُ يتلألا
لا تغلُ في دينِ الحقيقة ِ ولنقل … في الله ما قال الإله تعالى
فهوَ اعتقادهُ المؤمنينَ فلا تزدْ … إذ بلغوا في ذلك الآمالا