الفاتح الأعزل – عبدالله البردوني

ساه … في مقعده المهمل … كسؤال ينسى أن يسأل

كحريق يبحث عن نار … فيه عن وقدته يذهل

كجنين في نهدي أم … لهفى تتمنى أن تحبل

يطفو ويقرّ كعصفور … توّاق في قفص مقفل

يستسقي كالحلم الظامي … ويحدّق كالطيف الأحول

فيشمّ خطى الفجر الآتي … في منتصف اللّيل الأليل

ويصوغ الصمت ضحى غزل … وأصيلا ورديا أكحل

ويضيع جمالا مبذولا … في الكشف عن العدم الأجمل

يشدو للزاوية الكسلى … ويصيخ إلى الركن الأكسل

ويفتش عن فمه الثاني … ويحنّ إلى فمه الأوّل

والأربعة الجدران إلى … عينيه تصغي … تتأمل

ترنو كفتاة تستجدي … غزلا … وإذا ابتسمت تخجل

يغلي ويمور كما يعدو … في كفّ العاصفة المشعل

مرمّي كالقبر المنسي … وإلى كلّ الدّنيا يرحل

يغزو الأقمار ولا يعيى … ويخوض البحر ولا يبتل

في كل راوية فنّان … من قصته الفصل الأطوّل

في كل تثبي أغنية … أنّى لهواه تتجمل

في كل كتاب عن بطل … أخبار عنه لم تنقل

يحيا في التاريخ الفاني … في الكثبان العطشى يخضل

يقتاد الحيل (كعنترة) … يجترّ الزق مع (الأخطل)

ويناضل (قيصر) في (روما) … (كسبرتاكوس) ولا يفشل

يطوي (الاسكندر) في يده … ويجول على كتفي (أخيل)

ويرد اليوم إلى الماضي … ويعيد الماضي مستقبل

ويلمّ الأزمنة الشتى … لحظات تعرف ما تجهل

تنشهّى (( تنوي)) تتحدّى … تستأني((تعدو)) تتخيّل

فيعفّر (ابرهة) .. يذكي … عيني (سينا) بدم المحتل

يهمي فوق (الجولان) لظى … يرمي (بالشمر) عن المنهل

يمحو (سابجون) بإصبعه … ويمزّق (خيبر) بالمنجل

يلقي عن صهوته (كسرى) … ويقاتل في (حيفا) أعزل

يدميه القصف ولا يدمى … يرديه القتل ولا يقتل

يهفو من حلق الموت إلى … اعتاب الميلاد الأحفل

يجتثّ الكون ليبدأه … أسخى ويشكله أفضل

ويصوغ العالم ثانية … أو يأمره أن يتحوّل

مرمي يرحل من بعد … كالهول إلى البعد الأهول

في كلّ متاه يستهدي … في كلّ حريق يتغسّل

يغزو المجهول بلا وعي … ويعي لا يدري ما يفعل

فيعود يشكل ما ألغى … أو يمضي يمحو ما شكّل