العش المهجور – بدر شاكر السياب

بمنحى من مراقبة العيون … و منأى عن متابعة الظنون

و في ظل النخيل حطام عش … تلفع بالأزاهر و الغصون

ترحل طائراه فبارت خلوا … عميق الحزن متصل السكون

يكاد نسيجه عشبا وزهرا … يبوح بما يسر من الأنين

يحن إلى الجداول و الروابي … و ضاكة السهول و الحزون

لقد ذهب الذي سلاه عنها … فعاد إلى التشوق و الحنين

كأن العش حين خلا و أقوى … و متا به صدى النغم الحنون

غدير جف غاربه و ماتت … أغاني موجه المرح المعين

كأن قشاشة أوتار عود … مكفنة بها جثث اللحون

و أبدل من ظعين قد تولى … بما لم يسله حب الظعين

إذا متع النهار أوت إليه … ظلال النخل ناعسة الجفون

و يطرقه شعاع النجم و هنا … و ضوء البدر حينا بعد حين

طروق الذكريات فؤاد صب … كثير الشجو منقطع الوتين

تمر به النسائم هامسات … فتنشر فيه عطر الياسمين

و توقظ في جوانبه الأغاني … عذاب الجرس فاتنة الرنين

و كم غمرته أنفاس الخزامى … قد امتزجت بدمع ندي هتون

و ربة وحشة تأوي إليه … إذا أوت الطيور إلى الوكون

ليشبهني مثل حالي … و شأن في الغرام حكى شؤون

فقلبي لا يزال قرين شجو … متى هفت القلوب إلى قرين

إذا الأحلام زرن عيون غيري … تزور العبرة الحرى عيوني

يكاد العش إن هتفت صدوح … يبادلها غناء شج حزين

و ليل نام سامره اكتئابا … أثار له الخفي من الشجون

و أذكره ليالي ذاهبات … فغص من الكآبة بالدجون