الحَاكِمون – عبدالعزيز جويدة

لِلحاكِمينَ ..

الوارِثينَ ..

تُرابَ أرضٍ

لَمْ يَكُنْ إرثًا لَهُمْ

اللابسينَ العُمرَ أحذيةً

تُسَمَّى شعبَهُمْ

الجالسينَ على المَقاهي

اللاعبينَ النَّرْدَ ، والشَّطْرَنْجَ في قُوتِ الشعوبْ

مِن كلِّ أفَّاقٍ لَعُوبْ

للشارِبينَ كُؤوسَ دَمْ

الفارِغينَ إلى الأبَدْ ..

مِن كلِّ هَمْ

إنْ هُمْ بِخيرٍ يا وَطنْ

لا شيءَ في الدنيا يُهِمْ

لَم يَبْقَ شيءٌ مِن كَرامتِنا

إلا استَباحَتْهُ الكِلابْ

فلِمَ ارتِباطي بالترابْ ؟

وأنا أُشاهِدُ أُمَّةً

عندَ الشدائدِ كلُّها أغرابْ

للحاكِمينَ قَياصِرَةْ

الجالسينَ أباطِرَةْ

تَعِبَتْ خُطانا يا طَريقَ المَجدِ كَلَّتْ ،

لوَّحَتْ لي في فضاءِ الكونِ شَمسٌ ..

للغُروبِ مُسافرةْ

قد كنتُ أبحثُ بينَ أوراقِ الجرائدِ

عن وَظائفَ شَاغِرَةْ

عن أيِّ قُطْرٍ في العُروبةِ أحكُمُهْ

لا تَنظُري لي ساخِرَةْ

يا بَخْتَ مَنْ يَحكُمْ

شُعوبًا ..

( لا تَهُشُّ ولا تَنُشُّ )

ويَسجُدونَ لِمَن يَجيءُ

ويَعبُدونَ أوامرَهْ

كُنا شُعوبًا ذاتَ يومٍ ثائرةْ

ومُغامِرَةْ

أغمضْتُ عيني داسَني رَكْبُ الخليفةِ

ذَاهِبًا للقُدسِ كانْ

قد كانَ يَمشي خَلفَهُ

رَكْبٌ كبيرٌ

والجَميعُ سَماسِرَةْ

خَجَلي كبيرٌ

حينَما بدَأَ المَزادُ

وبالنَّوايا الماكِرةْ

قالوا بألفٍ

قُلتُ : لا ، بَلْ ألفِ ألفٍ

ما كُنتُ أملِكُ أيَّ شَيءٍ

غيرَ رُوحي الطَّاهرةْ

أوَّاهُ يا سُوقَ الرَّقيقْ

وَطنٌ يُباعُ كَعاهِرَةْ

لَملمتُ جُرحي وانتَفضتُ

كأنِّ عُصفورًا جَريحًا داخِلي

وشَعُرتُ أنَّكِ تَحمِليني في ضُلوعِكِ

غَسِّليني في دُموعِكِ

مثلَ جُثمانٍ طَريحْ

مَرَّ الغُزاةُ على خُيولِكِ

في المَخابئِ تَستريحْ

لَمْ يَسمَعوا صوتَ الصهيلِ ،

ولا الصَّليلِ ،

ولا القَديحْ

مازلتُ أذكُرُ يَومَ صَلبي

كالمَسيحْ

مَرَّتْ جِوارَ الشوكِ أُمِّي

كَلَّمتني

فاشْرأبَّ القلبُ يَنظُرُ

مِن مَسامَّاتِ الضَّريحْ

للحاكِمينَ قَوافِلٌ مِن نِفطِ نَجْدٍ آتيةْ

للرابضينَ على صُدورِ حُدودِنا

كي يُحكِموا الأطواقَ حَولَ الغانِيَةْ

وسيأخُذونَ حُلِيَّها

كي يَقذِفوها بعدَ ذلكَ

صَوبَ أبعدِ هاوِيَةْ

يا “سارِيَةْ” .. يا “سارِيَةْ”

خلفَ الجِبالِ تَلوحُ آلافُ الأفاعي

والكِلابِ الضَّارِيَةْ

والسُّمُّ في عَسلِ الكلامِ

عنِ الملاجئِ والخيامِ الزاهيةْ

وصِغارُنا في القدسِ تُقتَلُ بالسلامْ

أوَّاهُ يا جُندَ السلامْ

تَحمونَ ظَهرَ عدوِّكم

وتُحَكِّمونَ الماشِيَةْ

للحاكِمينَ الحقُّ كلُّ الحقِّ

فيما يَفعلونْ

ولأهلِهِمْ مِن بعدِهِم

أولادِهِمْ ، زَوجاتِهم ، حُراسِهِم ، خُدَّامِهِم

وكلابِهِمْ ..

سيجيءُ يومٌ يَحكُمونْ

أقسمتُ باللهِ العظيمِ سَيَحكُمونْ

عصرُ المماليكِ الذي وَلَّى

يُعادْ

والرَّكبُ يَمضي والعُصاةُ يُجاهِرونْ

والبُرجُ عالٍ والقَياصِرةُ العِظامْ

حينًا يَسُبُّونَ الرَّعيةَ

ثُمَّ حينًا يَبصُقونْ

ومِنَ المحيطِ إلى الخليجْ

الكلُّ صاروا يَنبَحونْ

قُلْ : ضَلَّ فينا المُهتدونْ

مِن بعدِ أنْ كانتْ لنا

مُتطوِّعاتْ ،

مُتطوِّعونْ ..

ومُفكِّراتْ ،

ومُفكِّرون ..

أضحى لنا مُتطبِّعاتْ ،

ومُطبِّعون ..

ومُهروِلاتْ ،

ومُهروِلونْ

والنزفُ مِن مُقَلِ العيونْ

وأنا أرى

سِربَ الصغارِ الحالِمينْ

في كلِّ يومٍ يُقتَلونْ

وجميعُنا مِن خلفِ أقنعةِ المصالحِ جاهِزونْ

مُتأهِّبونْ

وأنا أقولْ

وأظَلُّ يا وَطني أقولْ :

نحنُ الجُناةُ القاتِلونْ

نحنُ الجُناةُ القاتلونْ