الحمدُ للهِ جلَّ الله منْ واقِ – محيي الدين بن عربي

الحمدُ للهِ جلَّ الله منْ واقِ … الكلُّ يفنى ووجهُ الواحدِ الباقي

يقالُ عندَ فراقِ النفسِ من راقٍ … يا ليتَ شعري وهلْ في الكونِ من راقِ

الله يعلم هذا لا يكون ومن … يردُّ كأسَ المنايا أوْ هوَ الساقي

هو المنجي إذا ما الساق تبصرها … يومَ القيامِ لهُ تلتفُّ بالساقِ

إنَّ المكارمَ منْ خلقي ومنْ شيمي … فقد وسعت الورى جوداً بأخلاقي

لو أنَّ لي كلّ ما تحوي خزائنه … لما وفت بالذي عندي من أرزاق

إني فطرتُ على أخلاقِ خالقنا … والأمر ما بين مرزوقٍ ورزّاق

فالرزقُ يطلبنا ما نحنُ نطلبهُ … وذا دليلٌ على طيبٍ بأعراقِ

ما كنتُ أحسب أنَّ الأمر منه كذا … حتى علمتُ بذاتي أنني الواقي

فليسَ يحكمُ فينا غيرُ أنفسنا … عدلاً وجوراً فدائي عينُ درياقي

تدبير علمٍ بتفصيلٍ لنشأتنا … فكم نرى ذاك عن حكم بأوفاقِ

إني حننت إلى ذاتي لأبصرها … من أجل صورته حنينَ مشتاقِ

هبتْ عليَّ رياحُ القربِ منْ كثبٍ … شممتُ منْ عرفها أنفاسَ عشاقِ

أوحي إليَّ بها ما كنتُ أجهلهُ … بأنه نائب جوَّابُ آفاق

إني لعبدٌ ذليل بات يخضعُ لي … عندَ المناجاة ِ ذي وجدٍ وأسواقِ

فلا تراه لكوني فيه مفتخرا … بأنه ربُّ تيجانٍ وأطواق

لهُ علومٌ بذاتي ليسَ يعلمها … إلا الذي هو ذو شرب وأذواق

يرنو إليّ إذا الأعيان تجهلني … عينا بعينِ نهى عن غير أحداق

تراه يرحمُ من ناداه من كرمِ … من غير جبر ولا حكم لإشفاق

إنَّ الشفيقَ له حكمٌ يخالفه … حكمُ الرحيمِ لما فيه من إطلاق

فما يقيِّدُه نعتٌ ولا صفة ٌ … وليسَ يدخلُ في عقدٍ وميثاقِ