الحمدُ للهِ الذي صيرا – محيي الدين بن عربي
الحمدُ للهِ الذي صيرا … وجودَنا لفعله مظهرا
لوْ أننا نعلمُ أرواحنا … بالوجهِ في الصبحِ إذا أسفرا
كما علمنا بالجسومِ التي … عينها الليلُ إذا أدبرا
كنَّا بهِ نعلم أعياننا … لكنْ جهلناها لأمرٍ طرا
من ظلمة ِ الطبع وأخلاطِه … فاعتمَ الليلُ وما أقمرا
حينَ رَمَتْ بالرجمِ أرواحَ مَنْ … يسترقِ السمعَ كما أخبرا
انظر إلى الأرضِ وخيراتها … وما بها الرحمن قد أظهرا
لا بدَّ أنْ يصبح عمرانُها … كمثلِ ما أصبحَ وادي القرى
عروشُها خاوية ٌ حينَ لمْ … يغيرِ الناسُ بها المنكرا
عمَّ بلاءُ الله سكَّانَها … فأهلكَ المقبلَ والمُدبرا
بذا أتانا النصُّ من عنده … في محكم الذكر كذا سطرا
فقال فيه واتّقوا فتنة … وتممَ القولَ بهِ منظرا
سبحان مَنْ أخبرنا أنه … كان على الأخذ بنا أقدرا
هذا الذي جئتَ بهِ واضحٌ … في سورة ِ الأنفالِ قدْ حررا
وبعد ذا ترجع أفكارها … إلى أمامٍ ما لهُ منْ ورا
لا فعلَ في العالمِ إلا لهُ … فإنَّ ما سميتَه مُنكرا
فحكمُه ذلكَ لا عينهُ … فلتعتبرْ قولي حتى ترى
به وإن شئت بأعياننا … لتشهدَ الأسماءَ والمحضرا
يبدو إليكَ الأمرُ من فصهِ … كما بدا لمنْ به أخبرا
مثلَ رسولِ اللهِ في وقتهِ … والوارثِ المختار بين الورى
فالحمد لله الذي قد وقى … من شرِّ ما يمكن أن يُحذرا
لولا كتابٌ سابقٌ فيكمُ … نتبذتمُ لفعلكمْ بالعرا
لما رأى عسكرها شمّرا … إلا لكي تعصمَكم كالعُرى
لأنها أعصم ما يُتقى … لمَّا بدا الرحمنُ قدْ قدرا
تعوذوا منهُ بهِ أسوة ً … بسيدٍ يعلمُ ما قررا
من يعرفِ الحقَّ وأسرارَه … يكن لما أذكره منكِرا
العمى لا تدركُ أبصارنا … إلا ظلاماً وهي شيءٌ يرى
وليسَ يدري بالذي قلتهُ … إلا الذي في غيبه أحضرا
أوضحتُ أمراً ليس يدري بهِ … إلا الذي في شأنه قد جرى
أو سيِّد خص بأسراره … مثل إمام نفسُه قد درى
يسري بهِ قدماً إلى ذاتهِ … لا يعرف الخلفَ ولا القَهقَرى
ما هو كالخنس في سيرها … بل هو كالبدرِ الذي أزهرا
أظهرَ عينَ الشمسِ في ذاتِهِ … وهوَ على ما هو لمن أبصرَا