إن سارَ أهلي فالدّهر يتّبعُ – تميم البرغوثي

إن سارَ أهلي فالدّهر يتّبعُ … يشهد أحوالهم ويستمعُ

يأخذ عنهم فن البقاء فقد … زادوا عليه الكثير وابتدعوا

وكلّما همّ أن يقول لهُم … بأَنّهم مَهزومونَ ما اقتَنعوا

يسيرُ ان ساروا في مظاهرة … في الخلفِ، فيه الفضول والجزعُ

يكتبُ في دفترٍ طريقتهم … لعلّه في الدّروسِ يَنتفعُ

لو صادَفَ الجَّمعُ الجيشَ يقصدُهُ … فإِنّهُ نَحوَ الجّيشِ يندفعُ،

فيرجع الجُّندُ خطوَتَينِ فَقَط … ولكِنْ القَصْدُ أنّهُم رَجعوا

أرضٌ أُعيدت ولو لثانيةٍ … والقوم عزلٌ والجيش مُتْدرعُ

ويصبح الغاز فوقهم قطعاً … أو السما فوقه هي القطعُ

وتطلب الريح وهي نادرةٌ … ليست بماء لكنّها جُرعُ

ثم تراهم من تحتها انتشروا … كزئبق في الدّخان يلتمعُ

لكي يُضلّوا الرصاص بينهمُ … تكاد منه السقوف تنخلعُ

حتى تجلّت عنهم وأوجهُهُم … زهرٌ، ووجه الزمان منتقعُ

كأن شمساً أعطت لهم عدةً … أن يطلع الصبح حيث ما طلعوا

تعرفُ أَسماءُهُم بِأعيُنِهِم … تنكّروا باللّثامِ أو خَلًعوا

ودار مقلاعُ الطّفل في يده … دَورة صوفيّ مسّه وَلًعُ

يُعلّم الدّهر أن يدور على … من ظنّ أَن القويّ يمتنعُ

وكل طفل في كفّه حجر … ملخص فيه السهل واليفعُ

جبالهم في الأيدي مفرقة … وأمرهم في الجبال مُجتمعُ

يأتون من كل قرية زمراً … إلى طريق لله ترتفعُ

تضيق بالناس الطرق ان كثروا … وهذه بالزحام تتّسعُ

إذا رأوها أمامهم فرحوا … ولم يبالوا بأنها وجعُ

يبدون للموت أنه عبثٌ … حتى لقد كاد الموت ينخدعُ

يقول للقوم وهو معتذر … ما بيدي ما آتي وما أدعُ

يظل مستغفراً كذي ورع … ولم يكن من صفاته الورعُ

لو كان للموت امره لغدت … على سوانا طيوره تقعُ

أعداؤنا خوفهم لهم مدد … لو لم يخافوا الأقوام لانقطعوا

فخوفهم دينهم وديدنهم … عليه من قبل يولدوا طبعوا

قل للعدا بعد كل معركة … جنودكم بالسلاح ما صنعوا

لقد عرفنا الغزاة قبلكم … ونشهد الله فيكم البدعُ

ستون عاماً وما بكم خجلٌ … الموت فينا وفيكم الفزعُ

أخزاكم الله في الغزاة فما … رأى الورى مثلكم ولا سمعوا

حين الشعوب انتقت أعاديها … لم نشهد القرعة التي اقترعوا

لستم بأكفائنا لنكرهكم … وفي عداء الوضيع ما يضعُ

لم نلق من قبلكم وإن كثروا … قوماً غزاة إذا غزوا هلعوا

ونحن من ها هنا قد اختلفت … قدماً علينا الأقوام والشيعُ

سيروا بها وانظروا مساجدها … أعمامها أو أخوالها البيعُ

قومي ترى الطير في منازلهم … تسير بالشرعة التي شرعوا

لم تنبت الأرض القوم بل نبتت … منهم بما شيدوا وما زرعوا

كأنهم من غيومها انهمروا … كأنهم من كهوفها نبعوا

والدهر لو سار القوم يتبع … يشهد أحوالهم ويستمعُ

يأخذ عنهم فن البقاء فقد … زادوا عليه الكثير وابتدعوا

وكلما هم أن يقول لهم … بانهم مهزومون ما اقتنعوا