إنّ النضيرة َ ربة َ الخدرِ – حسان بن ثابت
إنّ النضيرة َ ربة َ الخدرِ … أسرتْ إليكَ، ولم تكنْ تسري
فوقفتُ بالبيداءِ أسألها: … أنى اهتديتِ لمنزلِ السفرِ
والعيسُ قدْ رفضتْ أزمتها، … مما يرونَ بها منَ الفترِ
وَعَلَتْ مَسَاوِئُهَا مَحاسِنَها، … مِمّا أضَرّ بِها مِنَ الضُّمْرِ
كنا إذا ركدَ النهارَ لنا، … نَغْتَالُهُ بِنَجَائِبٍ صُعْرِ
عوجٍ، نواجٍ، يعتلينَ بنا، … يُعْفِينَ دونَ النَّصّ، والزَّجْرِ
مستقبلاتٍ كلَّ هاجرة ٍ، … يَنْفَحْنَ في حَلَقٍ مِنَ الصُّفْرِ
ومناخها في كلّ منزلة ٍ، … كمبيتِ جونيّ القطا الكدرِ
وسما على عودٍ، فعارضنا … حِرْبَاؤها، أوْ هَمَّ بِالخَطْرِ
وَتَكَلُّفي اليَوْمَ الطّويلَ وقَدْ … صرتْ جنادبهُ منَ الظهرِ
والليلة َ الظلماءَ أدلجها … بالقَوْمِ في الدّيْمومَة ِ القَفْرِ
يَنْعى الصَّدَى فيها أخاهُ كما … يَنْعَى المُفجَّعُ صَاحِبَ القَبْرِ
وتحولُ دونَ لكفّ ظلمتها، … حتى تشقّ على الذي يسري
وَلَقَدْ أرَيْتُ الرَّكبَ أهْلَهُمُ، … وَهَدَيْتُهُمْ بمَهَامِهٍ غُبْرِ
وَبَذلْتُ ذا رَحْلي، وكنتُ بِهِ … سَمْحاً لَهُمْ في العُسْرِ واليُسْرِ
فإذا الحوادثُ ما تضعضعني، … وَلا يَضِيقُ بِحاجَتي صَدْري
يُعْيي سِقَاطي مَنْ يُوَازِنُني، … إنّي لَعَمْرُكَ لَسْتُ بالهَذْرِ
إنّي أُكارِمُ مَنْ يُكَارِمُني، … وَعلى المُكاشِحِ ينْتحي ظُفرِي
لا أسْرِقُ الشُّعَرَاءَ ما نَطَقُوا، … بَلْ لا يُوَافِقُ شِعْرَهُمْ شِعْري
إنّي أبَى لي ذَلِكُمْ حَسَبي، … ومقالة ٌ كمقاطعِ الصخرِ
وأخي منَ الجنّ البصيرُ، إذا … حاكَ الكَلامَ بأحْسَنِ الحِبْرِ
أنَضِيرَ مَا بَيْني وبَيْنَكُمُ … صرمٌ، وما أحدثتُ منْ هجرِ
جودي فإنّ الجودَ مكرمة ٌ، … واجزي الحسامَ ببعضِ ما يفري
وحَلَفْتُ لا أنْسَاكُمُ أبَداً، … ما ردّ طرفّ العينِ ذو شفرِ
وحَلَفْتُ لا أنْسَى حديثَكِ ما … ذَكَرَ الغَوِيُّ لَذَاذَة الخَمْرِ
ولأنتِ أحسنُ، إذْ برزتِ لنا، … يَوْمَ الخُرُوجِ بساحَة ِ القَصْرِ
منْ درة ٍ أغلى الملوكُ بها، … مِمّا تَرَبّبَ حَائِرُ البَحْرِ
ممكورة ُ الساقينِ، شبههما … بَرْدِيّتَا مُتَحَيِّرٍ غَمْرِ
تَنْمي كما تَنْمي أرُومَتُها، … بمحلّ أهلِ المجدِ والفخرِ
يعتادني شوقٌ، فأذكرها، … مِنْ غَيْرِ ما نَسَبٍ وَلا صِهْرِ
كتذكرِ الصادي، وليسَ لهُ … مَاءٌ بِقُنّة ِ شاهقٍ وَعْرِ
وَلَقَدْ تُجالِسُني، فَيَمْنَعُني … ضيقُ الذراعِ، وعلة ُ الخفرِ
لوْ كنتِ لا تهوينَ لم تردي، … أو كُنْتِ، مَا تَلْوِينَ في وَكْرِ
لأتَيْتُهُ، لا بُدّ، طالِبَهُ، … فاقنيْ حياءكِ، واقبلي عذري
قلْ للنضيرة ِ إنْ عرضتَ لها: … لَيْسَ الجَوادُ بِصَاحِبِ النَّزْرِ
قَوْمي بَنُو النّجّارِ رِفْدُهُمُ … حسنٌ، وهمْ لي حاضرو النصرِ
الموتُ دوني لستُ مهتضماً، … وذوو المكارمِ منْ بني عمرو
جُرْثُومَة ٌ، عِزٌّ مَعَاقِلُها، … كانتْ لنا في سالفِ الدهرِ