إلى روح الشاعر – إبراهيم ناجي

موقفٌ حانَ فاغتنِمْ … وتخير مِن الكلمْ

كلَّ لفظٍ أورقَّ مِن … ضحكةِ الزهر للدِّيمْ

مستَمَدٍّ من الرُّبى … مُستعارٍ من الَنّسمْ

اجمعِ الآنَ طاقةً … غضَّةَ النور تبتسمْ

أُهدِها روحَ شاعرٍ … خالدٍ بالذي نَظمْ

قلمي ما الذي لديكَ … من الخيرِ يا قلمْ؟

قمْ فذكّر وناج قومَكَ … واخطُب وقل لهُمْ:

قل لأهل الغناءِ في كنف … المعهد الأَشمّ

ذلك الشاعرُ الذي … بات في خاطر الظُلمْ

هو منكم وفنُّهُ … علمَ الله فنكمْ

كان لجناً فصار ذكراً … كما يُذكَرُ الحُلمْ

انما الشعر مزهرٌ … قد حكى قصةَ الأممْ

وبأوتاره المنى … تتلاقى وتزدحمْ

هو نايٌ مُرجَّعٌ … لشجيٍّ وما كتمْ

هو قيثارةُ الزمان … ونجواه مِنْ قِدَمْ

هو أنشودة الحياةِ … وفيضٌ من النغمْ

أبها المعهد الذي … بلغ المجدَ واستتمّ

كلُّ لحنٍ مذكرٍ … أشعل القلب فاضطرمْ

نظمته يدُ الأسى … وقًعته يدُ السقمْ

وأناشيدكم وما … صاغه الفنُّ من عِظمْ

هي أنّاتُ أنفسٍ … بالمقادير ترتَطِمْ

وصباباتُ أعينٍ … يشهدُ الليل لَم تنمْ

وأغانيكمْ التي … هي في قمةِ القمَمْ

هي آهاتُ شاعر … عرف الحبَّ والألمْ

ذلك الشاعرُ الذي … روحهُ الآن بينكمْ

لكأني أراه حَيّاً … وألقاهُ عن أمَمْ

وهو في ذروة الشباب … وفي خفةِ القَدَمْ

غاشياً كلَّ منتدىً … عاليَ الرأسِ محترمْ

كلما قال شعرَه … غمر السهلَ والعلمْ

دافقاً ليس ينتهي … أبداً سيلُه العرمْ

باذلاً للصديق والأ … هلِ كلّ الذي غِنَمْ

زوجه والبنون هُم … مجدهُ والرجاءُ هُمْ

درجوا في ذُرَا العلا … نوَّروا في رُبى النعمْ

نشأوا في حِمى العفافِ … وجلُّوا عن التُّهمْ

حين ظنوا بأنَّ ما … أمَّلوا في الزمانِ تمْ

إذ شكا الضعفَ سيد … البيتِ خارت به الهممْ

نام في حصنهِ الضَّنى … وعلى صدره جَثمْ

واذَا بالطيور قد … دخل الموتُ وكرهُمْ

شِبْهَ لصٍّ مخادعٍ … غشىَ البيت فالتهَمْ

وإذا الفاقةُ الجريئةُ … تَطْغَى وتَنْتَقِمْ

صنعتْ في رجائهمْ … فعلَة الذئبِ بالغنمْ

كأتونٍ مستعَّر … غاضبٍ ينثرُ الحُمَمَْ

مَن رأى البؤسَ إن عدا … مَنْ رأى الضنك إن هَجَمْ؟

مَن رأى العفةَ العريقةَ … بالدهر تصطدمْ؟

أُمَّتي ليس يُهزَمُ الفنُّ … في أمَّة الشَّمَمْ

أُمَّتي ليس يخذلُ الجُودُ … في أمَّة الكرَمْ

أُمَّتي أُمَّةُ العلا … وأبي الهول والهرَمْ