إذا لم يقرِّبْ منك إلا التذلُّلُ – مهيار الديلمي

إذا لم يقرِّبْ منك إلا التذلُّلُ … وعزَّ فؤادٌ فهو للبعد أحملُ

سلوناك لما كنتَ أوّلَ غادرْ … وما راعنا في الحبِّ أنكَ أوّلُ

إذا أحدُ الحبَّين كان ممرَّضا … فأوفى الحبيبين الذي يتبدّلُ

وقالت مشيبٌ والجمالُ عدوُّهُ … فقلت خضبناه فأين التجمُّلُ

سوادان لكن مؤنسٌ ومنفِّرٌ … وما منهما إلا يحولُ فينصُلُ

وساترتُها سنَّ الكمال بصبغة ٍ … رأتها فقالت صبغة ُ الله أفضلُ

وبغَّض خدّا بالمشيبِ معنبراً … إليها عذارٌ بالشبابِ مغلَّلُ

وكان بعيني شعلة ً وهو مظلمٌ … فصار بقلبي ظلمة ً وهو أشعلُ

سمحتُ ببذل العيش يا حارِ بعدكم … وكنتُ بكتمان النصيحة أبخلُ

وبتّ أرى أنّ الجفاءَ سجيّة ٌ … لكلّ خليلٍ والوفاءَ تعمُّلُ

وحرّمَ عزُّ الموسويِّ جوانبي … على الضّيمِ حتى جازها ما يحلِّلُ

أحقُّ بآمالي أخو كرمٍ أرى … بعينِ يقيني عنده ما أؤمّلُ

ولما أتاح الدهرُ لي من لقائه … بشائرَ عجلى بالذي أتأجَّلُ

جلا لي وجهاً طالعاً من أحبُّه … ومدّ يميناً حقُّها ما تُقبَّلُ

فقلت أمصباحٌ أم الشمس أفتقت … وهذي اليد البيضاءُ أم فاضَ جدولُ

وناشرني ودّا شككتُ لطيبه … أفغمة ُ مسكٍ أم رداءٌ ممندَلُ

أبا القاسم استمتع بها نبويَّة ً … تراجعَ عنها الناسُ فيما توغَّلوا

محاسنُ إن سارت فقد سار كوكبٌ … بذكرك أو طارت فقد طار أجدلُ

تحدَّثَ عنها الناطقون وأصبحتْ … بها العيسُ تحدى والسوابقُ تصهلُ

سما للعلا قومٌ سواك فلم تنَلْ … سماؤك حتما إن باعك أطولُ

وأغرى الكمالُ الحاسدين بأهله … قديماً ولكن داءُ شانيك أعضلُ

ألستَ من القوم استخفّت سيوفهم … رقابَ عداً كانت على الموت تثقُلُ

طلوبين لحّاقين عصمُ يلملمٍ … تزاورُ عن أرماحهم ثم تنزلُ

مشت فوق أنماط الملوك جيادُهم … وباتت بأعوادِ الأسرَّة تُعقلُ

غلامُكمُ في الحجفل ابنُ عجاجة ٍ … مغيِّمة ٍ من دجنها الدمُ يهطلُ

يعانقُ منه الموتَ عريانَ تحتها … شجاعٌ بغير الصبر لا يتنثَّلُ

وشيخكمُ في المحفل ابنُ مهابة ٍ … يوقَّرُ عزّا بينكم ويبَّجلُ

غنيٌّ ببادي رأيه عن تليِّهِ … صموتٌ كمكفيٍّ قؤولٌ فيفصلُ

وكهلكمُ في فتكه وانبساطه … فتى ً وفتاكم في الحجا متكهِّلُ

وأنتم ولاة الدِّين أربابُ حقّهِ … مبينوه في آياته وهو مشكلُ

مساقطُ وحى الله في حجراتكم … وبينكمُ كان الكتاب يُنزَّلُ

يذادُ عن الحوض الشقيُّ ببغضكم … ويوردُ من أحببتموه فينهلُ

ختمتم على حرّ الخواطر أنه … لكم ما انتهى فكرٌ وأسمح مقولُ

تؤدَّى فروضُ الشعرِ ما قيل فيكمُ … وفي الناس إما جازكم يتنفّلُ

نحمِّسُ من آثاركم وعلاكمُ … وننسبُ من أحلامكم ونُغزِّلُ

لك الخير ظنّي في اعتلاقك عاذري … فلا تتركنْ يا حرُّ وعدك يُعذلُ

لعمري وبعضُ الرَّيثِ خيرٌ مغبّة ً … ولكن حسابُ الناس لي فيك أعجلُ

تشبَّثْ بها أكرومة ً فيَّ إنها … كتابٌ يوفَّى في يديك مسجَّلُ

وصبراً مضى شهر الصيام وغودرت … مغانيه حتى الحولِ تعفو وتعطُلُ

علمتُك حزاناً عليه وبعضُهم … بفرقته مستبشرٌ متهلِّلُ

تعفَّفتَ فاليومان عندك واحدٌ … وأحظاهما ما كان بالدِّين يُشغلُ

تناهت بك الأيام حتى قد اغتدى … مهنِّيك عجزا عن مداهنَّ ينكُلُ

فوالله ما أدري هل الدهر عارفٌ … بفضلك إلهاماً أم الدهرُ يغفُلُ